بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 نيسان 2022 08:11ص هل تفشل العقوبات دائماً؟

حجم الخط
تأخذ الصراعات السياسة الدولية مظاهر مختلفة لا تقتصر على العلاقات الديبلوماسية والزيارات، وإنما تصل الى المقاطعة التجارية والى وضع عقوبات اقتصادية استثمارية قاسية تؤثر سلبا على مصالح الدول والمؤسسات وأحيانا الأفراد.  العقوبات الاقتصادية تشمل أيضا الهبات والمساعدات المالية والتقنية والانسانية، وبالتالي يمكن أن تكون مؤلمة في الدول المعاقبة.  مشكلة هذه العقوبات الاقتصادية انها تؤثر عموما على الضحايا أكثر من على المذنبين، فيتضرر البريء أي الأطفال والشيوخ والمعاقين والمرضى بينما يفلت المذنبون الذين هم سبب المشكلة.  هل هذا مقبول خاصة وأن العقوبات وإن بررت سياسياً لا يمكن أن تبرر انسانيا في مختلف الحالات؟  نرى أحيانا صورا مؤثرة جدا لأطفال في الدول المعاقبة في أوضاع سيئة جدا ليس فقط بسبب غياب الغذاء في الكمية والنوعية، وانما بسبب غياب الأدوية والقدرة على المعالجة الضرورية في المستشفيات التي تفتقد عندها الى الأدوية والمعدات.  ما ذنب هؤلاء الضحايا الاحياء ومن يحاسب من ومن المسؤول؟

تدخل العقوبات الأخيرة الموضوعة على روسيا بسبب الحرب الأوكرانية ضمن هذه العقوبات القاسية التي تؤثر على الاقتصاد كما على المواطن العادي والشركة.  لا شك أن الولايات المتحدة هي الدولة التي تستعمل سياسات العقوبات أكثر من أي دولة أخرى.  تضع عقوبات على من يخالف مصالحها أو من يهدد في رأيها السلم الأهلي أو العالمي أو من يسبب الأذية للشعوب.  تضع الولايات المتحدة اليوم عقوبات قاسية على روسيا وايران وفينزويلا وكوبا وكوريا الشمالية وغيرها لأسباب متنوعة ومختلفة.  كما تضع عقوبات على العديد من المؤسسات والشركات التي تدعم في رأيها الارهاب أو تقوم بالتجارات الممنوعة خاصة في المخدرات والأسلحة والأشخاص وغيرها.  تضع الولايات المتحدة أحيانا عقوبات على أفراد لتمويلهم جمعيات معينة أو قيامهم بأعمال فساد أو غيرها من النشاطات المضرة في رأي الأميركيين بالسلم الوطني أو العالمي.

هنالك من يسأل كيف أن العقوبات التي وضعت على كوبا مثلا لعقود، أي على دولة صغيرة فقيرة جنوب دولة عظمى غنية، لم تنجح في اسقاط ادارة البلد،أي تغيير نظام فيدل كاسترو المستمر؟ لا شك أن من أبقى كوبا تحت الحكم الكاستري هي المساعدات السخية أولا من الاتحاد السوفياتي وثم من الصين بعد ان سقط الاتحاد.  مدت الدول الشيوعية كوبا بمختلف المساعدات العسكرية والانسانية والتكنولوجية وغيرها تحدياً للولايات المتحدة.  استمرت الولايات المتحدة بعقوباتها ليس فقط لإيذاء النظام الذي يجاهر علناً بعدائه للجار الشمالي وانما لارضاء الجالية الكوبية القوية في مختلف أرجاء الولايات المتحدة وخاصة في فلوريدا القريبة. لا ننكر أبدا الدور الداخلي الذي لعبه كاسترو لابقاء التحدي قائما، خاصة وأنه جاهر بالعداء لأميركا.

ليست قوة كاسترو ونظامه هي التي أبقت كوبا حية اقتصاديا نظرا للنتائج غير المرضية من نواحي النمو والتنمية والفقر. بقيت كوبا واقفة بسبب الدعم الخارجي الذي له مصلحة في بقاء قوة موالية له في القارة الأميركية.  لا شك أن الولايات المتحدة تبادل الداعمين الشعور نفسه في ما يخص تايوان الصينية وهونغ كونغ وأوكرانيا وغيرها.  الصراعات بين الكبار تأخذ أشكالا مختلفة ويمكن أن تستمر طويلا فتُبقي شرارة الحروب موجودة بالرغم من محاولات تجنبها.  الحرب تعني فشل الديبلوماسية وانتهاء الحوار وهذا أسواء ما يمكن أن تصل اليه أي علاقات ثنائية أو دولية.

أما العقوبات على كوريا الشمالية فلها أوجه مختلفة أهمها السلاح النووي القوي الذي تملكه والذي يقلق كوريا الجنوبية المتفوقة اقتصاديا.  لم تنجح مفاوضات التوحيد لأن الشمالي غير مستعد لتسليم النووي ولأن تكلفة التوحيد ستكون كبيرة جدا وربما تضعف الجار الجنوبي اقتصاديا.  مصير كوريا هو الوحدة تماما كما حصل مع فيتنام وكما حصل أيضا مع ألمانيا، الا أن النووي الكوري الشمالي هو أداة مهمة ليس فقط للنظام وانما أيضا للصين في مواجهة الولايات المتحدة على كل الجبهات بما فيها الكورونا والتعريفات الجمركية والاستثمارات.  حاول الرئيس ترامب اقناع الادارة الكورية الشمالية بالانضمام الى المجتمع الدولي العادي والتخلي عن النووي مقابل مساعدات واستثمارات أي مقابل نمو ينهي الجوع والفقر، لكن زياراته لم تنجح لأن المصالح الكورية الشمالية كما الصينية لم تُراعَ في رأيهم.

العقوبات الاقتصادية التجارية على ايران واضحة ومرتبطة بالنووي والتسلح والسياسة وتشارك الولايات المتحدة فيها الدول الأوروبية.  ربما لو لم تخرج الولايات المتحدة من الاتفاق السابق، لكنا في غنى عن هذه التوترات الجديدة.  في كل حال الصراع الايراني الغربي كبير ويرتبط بالنووي والأسلحة المتطورة وبالأموال المحجوزة وبدور ايران في المنطقة والخليج الذي يقلق الدول العربية ويجعلها تتردد في تقريب المسافات مع الجار الايراني.  تحاول ايران بالرغم من العقوبات ابقاء بعض العلاقات التجارية مع الهند والصين وغيرهما الا أن احتمال المواجهة مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة يُبقي هذه المحاولات متواضعة بانتظار انتهاء مفاوضات فيينا المتأرجحة على ما يظهر.

هنالك عقوبات اقتصادية هدفها سياسي كما هو الحال مع فينزويلا، ولأن حكمي شافيز ومادورو عرقلا العلاقات الطبيعية بين الدول الأميركية الجنوبية ومع أميركا. لم يحصل تغيير في كاراكاس بسبب دعم الجيش للحكم، ولكن الى متى يستطيع مادورو الاستمرار مع أوضاع اقتصادية في غاية السوء في دولة من أغنى دول العالم خاصة نفطيا؟  العقوبات على فنزويلا لم تفشل فقط لأسباب سياسية أي دعم بعض الدول لها، بل أيضا لأسباب اقتصادية أي رغبة بعض الدول في الاستفادة المادية من علاقات تجارية تزدهر في زمن العقوبات. من يعاقب ربما يخسر وتستفيد من العقوبات دول أخرى يمكن أن تقدم نفس الخدمات والعلاقات.

من العقوبات المعروفة ذات الأهداف السياسية فقط ونجحت، هي ضد دولة أفريقيا الجنوبية لانهاء نظام حكم الأقلية البيضاء وتحويل الدولة الى ديموقراطية تساوي بين المواطنين.  قامت الولايات المتحدة وأكثرية الدول بتنفيذ هذه العقوبات التي هدفت الى اعطاء الحق الانساني والسياسي للأكثريات الموجودة. انتقلت أفريقيا الجنوبية الى الوضع الديموقراطي ليس فقط بسبب العقوبات وانما لوجود قيادات كبيرة كمانديلا وديكليرك عرفا كيف ينتهزا الظروف لتحويل بلادهما الى ديوقراطية حقيقية. طبعا تعاني دولة أفريقيا الجنوبية اليوم من مشاكل أخرى كبيرة في الصحة وفي انتشار الفساد الى حدود مقلقة يمكن أن تعطل كافة الانجازات الكبيرة المحققة.  العقوبات على أفريقيا الجنوبية نجحت في تحقيق الأهداف السياسية، الا أن التحديات الأساسية اليوم هي داخلية وجدية الى أقصى الحدود.