بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 حزيران 2020 12:02ص هل نخرج من المأزق؟

حجم الخط
لبنان في مأزق أكثر من أي وقت مضى.  عمق المأزق يعود الى الاهمال والفساد والى ترابط المشاكل كما لم يحدث سابقا.  المشاكل الاقتصادية مترابطة بالصحية والاجتماعية والبيئية وغيرها.  المأزق كبير ولا بد من تنفيذ قرارات وسياسات صعبة.  لا يكون المأزق عادة في الاختيار بين مشروع جيد وآخر سيىء، وانما في الاختيار بين مشروعين سيئين أو بين مشروعين جيدين.  لماذا نختار بين مشروعين سيئين ولا نرفضهما سوية؟  الخيار الفاضل غير متوافر دائما، أي مثلا بين تسديد الديون وخسارة الاحتياطي النقدي من جهة أو عدم التسديد والوقوع في الافلاس.  أيهما أسوأ؟  هنالك وجهات نظر مختلفة كما هنالك عمليات تقييم يمكن أن تختلف بين طريقة وأخرى أو بين مدرسة وأخرى.  أما الخيار الفاضل أي بين مشروعين جيدين، فهذا ممتاز أي مثلا بين مشروع بنية تحتية وآخر حيث القدرة المالية هي التي تضغط وتؤثر على الخيارات.

أولا:  رسائل رئيس الحكومة لا شك تدل على النية الحسنة للحكومة مجتمعة وعلى الرغبة في الانجاز.  لكن المشكلة تكمن في النتائج أي لم يعد يكفي أن نعد أو أن نبشر بالنتائج الايجابية القادمة، بل يجب الانجاز على الأرض.  مثلا من قام مؤخرا بالاعتداءات على الأملاك الخاصة والعامة في وسط بيروت وغيرها من المدن؟  لا يكفي القول أننا نملك معلومات بل يجب الاعلان عنها ومحاسبة المسؤولين في القرار والفعل.  اللبنانيون ينتظرون النتيجة العلنية غير الخاضعة للمسايرات التقليدية المعروفة.

في محاربة الفساد، لم يعد يكفي أن نبشر بها بل يجب القيام بالمحاسبة أقله في مجال واحد أو مجالين.  يجب محاربة المسؤولين الفعليين وليس معاقبة الموظف الضعيف أو غير المحمي فقط.  هنالك رؤوس كبيرة فوق كل عملية فساد، اذ أن الموظف العادي لا يجرؤ على القيام بعمليات الفساد الكبرى.  فلنبدأ عمليا بالمحاسبة وهذا ما يريده اللبنانيون.  الدولة غير مفلسة بل منهوبة في وقت نواجه صندوق النقد الدولي في أرقام مختلفة وعلى الأرجح في وجهات نظر مختلفة وربما متناقضة.  هذا يضعف موقفنا في وقت نحن بأمسّ الحاجة الى الوضوح في الرؤية والجدية والصدق في الأرقام.  يجب التحضير للمواجهة قبل جولات المفاوضات وليس أمام الصندوق، فهذه هي أبسط الاجراءات قبل أي مفاوضات.

هنالك حرب على الحكومة من السياسيين التقليديين الذين يرغبون في تفشيلها.  فهل نواجه رغبتهم في تحقيق الفشل أم نقدم النتائج العملية الجيدة والسريعة التي تفشل رغباتهم وتقضي على منطقهم.  النتائج المقدمة حتى اليوم لا تفي بالغرض وما يقوله اللبنانيون يوميا عبر وسائل الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي يؤكد على ذلك.  طمأنة اللبنانيين على ودائعهم ممتازة لكن الكلام وحده لا يكفي بل يجب تقديم البراهين العملية المالية والقانونية والمؤسساتية التي تؤكد على ذلك.  باختصار المطلوب نتائج عملية سريعة على الأرض في كل القطاعات تطمئن اللبنانيين بالنسبة للحاضر والمستقبل وتجعل المنتقدين غير الجديين يخجلون من أنفسهم.  مع الوقت، الشفافية والحوكمة والسياسات الصحيحة ستعيد الاستثمارات الى الاقتصاد.

ثانيا:  التغيير مطلوب جدا ويبدأ من انتخابات مبكرة في أوقات فاضلة.  بالرغم من تأييدنا لهذه الانتخابات ربما خلال 2020، نخشى أن لا تكون النتائج بمستوى طموحات اللبنانيين وخاصة الثائرين الصادقين.  تعودنا منذ عقود أن يقترع اللبناني للخيارات التقليدية وليست هنالك دلائل مقنعة ومؤكدة على العكس.  اذا جرت انتخابات مبكرة وأعطت النتائج نفسها، يعني اعطاء الطبقة السياسية الحالية ورقة بيضاء لسنوات طويلة قادمة وهذا في غاية الخطورة.  في أي انتخابات انتقاء التوقيت المناسب والقانون الجيد هو في غاية الأهمية ويجب التنبه كثيرا لهما في وجه قيادات سياسية قوية تمارس عملها منذ عقود وهي متجذرة في الادارة والمال والأعمال والنفوذ على كل المستويات.

ثالثا:  في الموضوعين المالي والنقدي حيث المعالجة المالية ستأخذ وقتا طويلا مع تدني الايرادات وزيادة الانفاق خاصة على الأمور الاجتماعية والصحية.  يجب ترشيد الانفاق لكن المهم معرفة ما أنفقنا في السابق ومحاسبة الفاسدين حيث نتكلم دائما في الاعلام والمجتمع عن وجود فساد لكننا نجهل من هم الفاسدون وماذا فعلوا تحديدا.  المطلوب المعلومات الصحيحة والمحاسبة الدقيقية والجدية وهذا في غاية الأهمية.  في الموضع النقدي، لا يمكن إقالة حاكم المصرف المركزي الا اذا قام بعمل جرمي وهذا ما لم يحصل حتى اليوم.  اذا حصل يجب اعلان الجرم أمام الرأي العام قبل القيام بالاقالة.  لا يمكن اقالة الحاكم اذا لم تعجبنا سياساته أو علاقاته أو طرق عمله.  في غياب الجرم، يجب أن يكمل ولايته وهو الآن مدعوم بنوابه من أصحاب العلم والكفاءة.  مجرد الكلام عن إقالة الحاكم دون توضيح الأسباب القانونية يساهم في اضعاف القطاعين المصرفي والنقدي والليرة وهذا ضد مصلحة لبنان.

أما في ما يخص سعر صرف الدولار، الجميع مقتنع أن السعر الرسمي الحالي 1500 ليرة للدولار لم يعد واقعيا.  يجب بالتالي الانتقال الى سعر الصرف الحر أو تحديد هدف آخر أصبح متعارف عليه عبر قرارات المركزي أو الحكومة وهو ما بين 3000 و3500 ل.ل. للدولار شرط دراسة التقديمات الاجتماعية التي يجب أن تترافق مع هذا التخفيض الحقيقي الكبير للأجور.

رابعا:  في المواضيع الاجتماعية، لا بد من تقديم المساعدات التعليمية والصحية والغذائية للأسر المحتاجة.  في خطاب الرئيس ماكرون الأخير طلب من الطلاب العودة الى المدارس وهذا اجباري وليس اختيارياً.  هل تسرّعنا في لبنان في إنهاء السنة الدراسية وهل لم يكن من المفضل العودة الى الصفوف في حزيران وتموز لأن دمج سنتين في واحدة غير مقنع تبعا للقدرات الاستيعابية لكل الأعمار؟  ربما العودة الى الصفوف لشهر ونصف يحل مشاكل عدة خاصة أننا كمجتمع وحكومة ومؤسسات واجهنا الكورونا بذكاء وجدية وعلم.

في كل حال، هنالك فرصة كبيرة اليوم للتعليم الرسمي لكي يثبت جدارته في استيعاب الطلاب غير الراغبين أو غير القادرين على اكمال الطريق في المدارس والجامعات الخاصة.  المطلوب تعزيز التعليم النوعي الرسمي لأن المنافسة بين التعليمين الخاص والعام ضرورية لتحسين أوضاع ومستويات الجميع.  فهل الحكومة قادرة وراغبة في إحداث هذا التغيير النوعي؟

خامسا:  في البنية التحتية، لم تعد تكفي اللبنانيين وعود الكهرباء والمياه والاتصالات وحلم النفط وجودة السفر عبر المطار، بل يجب تقديم النتائج العملية وليس الأعذار المنمقة التي سئمنا منها ولم تعد مقنعة ولا منطقية وربما لم تكن كذلك أبدا.  ادخال القطاع الخاص في المشاريع ضروري ضمن جودة الخدمة والسعر المناسب.

سادسا:  في الاقتصاد، ما يطالب به الصناعيون والمزارعون معروف منذ عقود والمذكرات المقدمة منهم موجودة ولا بد من خطوات عملية سريعة وجدية.  في السياحة لا بد من التركيز على السياحة الداخلية المناطقية في هذه الظروف.  هل تقوم وزارة السياحة باعلان المناطق السياحية في الجبل والساحل وأسعار الفنادق كما تفعل الوزارة الفرنسية اليوم.  تقول للفرنسيين انكم لن تسافروا خارج فرنسا هذا الصيف وبالتالي تقترح عليهم أماكن مدهشة كل ليلة عبر التلفزيون الرسمي FR2.  لماذا لا تقوم وزارتنا بهذا الجهد عبر التلفزيون الرسمي TL ؟

أخيراً وليس آخراً، هنالك ضرورة قصوى لعمل أساسي في موضوع العمل لمواجهة البطالة.  الغياب الرسمي العلني والفاعل في هذا القطاع مؤذٍ لكل الشركات والمؤسسات والأفراد.  وجود المؤسسة اللبنانية للاستخدام أساسي ويجب الاستفادة منها الى أقصى الحدود.  البطالة تهجر وتفقر وتيئيس وغياب الدولة الفاعل في هذا القطاع غير مفهوم.