بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 آذار 2023 12:20ص هل يستغل الأسد دبلوماسية المساعدات للعودة إلى الحضن العربي؟

حجم الخط
ترتدي زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري الى دمشق بُعداً سياسياً بالرغم من تصريحات الزائر المقتضبة، وتركيزها على «الهدف الانساني والتضامني» مع الشعب السوري، بالرغم من خفض الوزير المصري للسقف السياسي للزيارة،فقد ذهب خبراء ومحللون سياسيون الى انه سيكون لهذه الزيارة مفاعيل سياسية مقبلة على المستوى الثنائي بين دمشق والقاهرة، وذلك اعتقاداً منهم بأنه على ضوء انفتاح عدة دول عربية اخرى على الرئيس الاسد، فإنه لم يعد من الجائز ان تستمر مصر في مقاطعتها «شبه الكاملة» للنظام السوري، فالزيارة لرأس الدبلوماسية المصرية تأتي بعد عقد كامل من القطيعة بين البلدين.
كان من الطبيعي ان تحرك كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا قطار العلاقات لبدء تقارب مصري مع كل من انقرة ودمشق. وذلك في اعقاب زيارة ثلاثة وزراء خارجية عرب لسوريا، وزيارة الرئيس الاسد لكل من الامارات وسلطنة عُمان.
وحملت زيارة وفد الاتحاد البرلماني العربي مؤخراً مؤشرات جدّية حول مدى تبدّل الموقف العربي العام من العلاقة مع نظام بشار الاسد، وبما يوحي باقتراب قرار عربي عام بضرورة اعادة تأهيل سوريا للعب دورها العربي والاقليمي من جديد. لكن لا بد من التحذير من الانحراف في التفاؤل في قرب عودة دمشق الى الجامعة العربية، ودعوتها الى القمة العربية المقبلة والتي ستعقد في السعودية، اذ ان قبل هذه الدعوة ستتطلب اجماعاً عربياً، وقد لا يكون متوفراً حتى الآن.
من الطبيعي ان يجري تحميل زيارة شكري لكل من سوريا وتركيا بعداً سياسياً ينبئ بقرب العودة للعلاقات الطبيعية بين القاهرة ودمشق وانقرة، لكن ذلك سيتطلب الكثير من الجهود لتخطي كل الحواجز والعقبات، وبعضها اقليمي وبعضها الاخر دولي، والتي بدأت بوادرها من خلال تحرك داخل الكونغرس الاميركي لوضع مشروع قرار لادانة النظام السوري لعرقلته لوصول المساعدات الى المناطق السورية الواقعة خارج سيطرته، ولمحاولته الواضحة لاستغلال كارثة الزلزال للتهرب من المساءلة الدولية، وتلقي المساعدات الكبيرة دون اي نية او اي التزام للاعتراف بحقوق شعبه، او اي قبول عقلي للالتزامات المنصوص عنها في القرار الدولي رقم 2254.
قبل الاسراع في تحميل زيارة شكري مضامين سياسية، اقلها تطبيع العلاقات مع سوريا، وضمان عودتها الى الجامعة العربية، فإنه لا بد من انتظار ما سيصدر من قرارات ومن رسائل عن اجتماع وزراء خارجية الدول العربية المقبل، وخصوصاً لما يعود لما تحمله علاقات دمشق مع طهران من اثقال، لا يمكن القفز فوقها، وذلك لارتباطها الوثيق بالامن الاستراتيجي العربي، ولضرورة تصحيح موازين القوى بين ايران وعدة دول عربية تمتد من صنعاء الى بغداد وبيروت، مع ضرورة عدم تجاهل امكانية تبدّل موقف الرئيس الاسد من حصول تسوية سورية داخلية تسهّل عودة النازحين السوريين الى الدول المجاورة.
في الواقع تحوم شكوك كبرى ومبرّرة حول مدى سهولة اتخاذ قرار عربي جامع لانجاح عودة سوريا الى الجامعة العربية في ظل تعاظم المصالح الايرانية داخل سوريا، والتي لم تعد تقتصر على وجود عسكري ايراني داخل سوريا، بل تتعدى ذلك الى برامج اقتصادية ودينية واتفاقية طويلة الامد على 50 سنة، هذا بالاضافة الى تمدد النفوذ الايراني من رأس هرم القرار السياسي الى مختلف الاجهزة الامنية والادارات الرسمية السورية.
على صعيد آخر، لا بد من ان يطرح وزراء الخارجية العرب مسألة مدى تقبّل الرئيس الاسد للسير قدماً في حل الازمة السورية بكل تشعباتها الداخلية والعربية والدولية، مع كل ما من حولها من معضلات داخلية واقليمية، ومن ابرزها: الافراج عن آلاف المعتقلين من المعارضين للنظام، والالتزام بتسهيل عودة آمنة بملايين النازحين السوريين وحل مسألة تهريب المخدرات واقفال مصانع «الكابتاغون» والتي تضر بالمجتمعات الخليجية، وفتح المعابر الحدودية مع لبنان والاردن لتسهيل عبور البضائع والسلع باتجاه الدول الخليجية. لكن تبقى مسألة الحد من النفوذ الايراني في سوريا، وانعكاساته على الوضع العربي العام في رأس اولويات المطالب العربية من النظام السوري.
شكلت في الواقع زيارة الرئيس الاسد الى عمان يوم الاثنين 20 شباط بالاضافة الى اجواء التفاؤل التي حملتها زيارة وزير خارجية الامارات لدمشق في الاسبوع السابق مؤشراً على امكانية فك العزلة العربية والدولية عن النظام السوري. وترافقت اجواء التفاؤل هذه مع وصول المساعدات السخية القادمة من جميع الدول الخليجية الى مطاري دمشق وحلب، وهذا ما دفع ببعض المراقبين الى توقع قيام مسعى جزائري واماراتي وعُماني، يدعو الى فك الحصار عن سوريا، تمهيداً للدعوة لها لحضور القمة العربية المقبلة في المملكة العربية السعودية، ويبدو بأن امكانية حدوث تطورات ايجابية متسارعة في علاقات سوريا مع المملكة باتت سهلة على ضوء التصريحات الايجابية التي ادلى بها وزير الخارجية السعودي الامير فيصل بن فرحان في ميونيخ في 19 كانون الثاني الماضي، حيث قال: «لا جدوى من عزل سوريا في غياب وجود عناصر الحل السياسي»، كما عبّر عن قناعته في مؤتمر دافوس بأن الستاتيكو المفروض على الوضع السوري «غير قابل للاستمرار في ظل بروز الحاجة لمعالجة وضع اللاجئين في دول الجوار، مع كل ما يتركه ذلك من ارتدادات اقتصادية واجتماعية على الاردن ولبنان وبأننا بأمسّ الحاجة للبحث عن مقاربة مختلفة». وهذا يدعو  للتساؤل حول مدى اعتماد «دبلوماسية المساعدات الانسانية» كمقاربة جديدة لاعادة سوريا الى الجامعة العربية؟
يدرك الرئيس الاسد مدى اهمية الفرصة المتاحة الآن للتصالح مع الدول العربية وخصوصاً مع الدول الخليجية الغنية كالسعودية والامارات وقطر والكويت، والتي تملك القدرات المالية الكبيرة لتقديم المساعدات الاقتصادية والمالية اللازمة لاعادة اعمار سوريا، والتي سبق لها ان قدمت المساعدات السخية لنظام عبد الفتاح السيسي في مصر، ولكن لن يكون الامر بهذه السهولة اذا لم يُظهر الرئيس الاسد استعداده للحد من النفوذ والدور الايراني في سوريا، وبالتالي التخلي عن سياسة التذاكي والاسترسال في لعبة جمع التناقضات، والتي سبقت ان تسببت له بالعديد من الازمات والمشاكل مع عدد من الدول العربية، قبل اندلاع الحرب في سوريا.
لا بد في النهاية من التساؤل عن موقف الولايات المتحدة من امكانية حدوث هذا التقارب تمهيداً لعودة سوريا الى الحضن العربي؟ من المعروف ان واشنطن لا ترحب بحصول هذا التقارب الذي يؤدي الى تطبيع كامل للعلاقات مع الدول العربية، قبل اعتماد النظام السوري لخارطة طريق تضمنها القرار الدولي رقم 2254، ولكن ستكون معارضتها كلامية حيث لا تحتل سوريا اي موقع في اولويات القوى العظمى.
في المقابل تسعى موسكو في الفترة الراهنة على الحفاظ على الستاتيكو في الوضع السوري، وهذا ما تؤكده تحضيراتها لعقد مؤتمر رباعي يضم سوريا وتركيا وايران تحت المظلة الروسية.