غداة انتخابه رئيساً للجمهورية اللبنانية في العام 1958 اراد الرئيس الإصلاحي الأول، والذي نأمل ان لا يكون الأخير الرئيس فؤاد شهاب ارساء دولة المؤسسات فدعى العالم الإقتصادي والإنمائي الأب لويس جوزيف لوبريه منشىء مؤسسة «ايرفيد» ورئيسها للقيام بعملية مسح شامل للأوضاع الإقتصادية والإجتماعية في لبنان ما ادى الى وضع برنامج انمائي علمي شامل هو الأول من نوعه. لكن للأسف لم ينفذ.
كان مفهوم الأب لوبريه للعمل الإنمائي متطابقا الى حد كبير مع رؤية الرئيس شهاب.
تتلخص هذه الرؤية في مساعدة الناس للعبور على مراحل من وضع انساني متدن الى وضع ارقى، وتحويل اناس يعيشون على هامش المجتمع الى طاقات خلاقة من خلال تحسين اوضاعهم الإقتصادية والإجتماعية.
كان الرئيس شهاب يرى ان نشر ثقافة التنمية بين الناس يشعرهم بأنهم يعيشون في جو من العدالة والمساواة وفي وطن يحضنهم جميعا.
من المؤكد ان نشر ثقافة التنمية المتوازنة والشاملة سوف يؤدي الى تخلي الناس عن ولائهم الطائفي لمصلحة الولاء للوطن. لأن العمل الإنمائي السليم هو افضل وسيلة ليصبح الموطنون في بوتقة واحدة خاصة في البلاد التي تتعدد فيها الأعراف والأديان مثل لبنان.
قد اثبتت التجربة العملية ان النهوض بلبنان وتطوره نحو الأفضل لا يحتاج الى رساميل وأموال خارجية، كل ما يحتاج اليه هو حكم رشيد يتحلى بروح وطنية واحدة ومتجردا ونزيها وان يعمل في خدمة وطنه لا ان يكون الوطن في خدمته.
اضافة الى ما تقدم ان لبنان ومن وراءه الطبقة التي تحكمه ما زالا يؤمنان باعتقاد خاطىء هو ان العرب والغرب لن يتخليا عنه في اوضح مثل على الإتكالية. وقد جاءت جميع المواقف الدولية لا سيما الإجتماع الخماسي الأخير في فرنسا ليقول للبنانيين «انقذوا انفسكم بانفسكم». مثل هذا الكلام يسمعه اللبنانيون لأول مرة ولهذا نلاحظ البلبلة التي سادت صفوفهم بعد سماعهم هذه الدعوة ما جعلهم يعجزون عن ابتكار الحلول الداهمة مثل الإتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
من جهة اخرى ان التركيبة اللبنانية هي تركيبة اجتماعية وسياسية وقانونية قليلة التعقيد، غير ان القوى الحاكمة اوجدت مؤسسات دستورية وسياسية عديدة وعالية المستوى بحيث بدت انها معدة لدولة اكبر من لبنان وهذا الأمر اعاق ويعيق دائما عملية الإصلاح المجتمعي على كل المستويات نظرا لسيادة العملية البيروقراطية والتنوع الذي لا فائدة كبرى منه. لذلك من المفيد طبعا ان يعمل لبنان الى اختصار في عدد المؤسسات السياسية والإبقاء فقط على ما هو ضروري منها من اجل تسهيل عملية النهوض.
لكل هذه الأسباب ولغيرها لم تنجح الحلول التي اعتمدها الأب لوبريه. وقد اورد في مقدمة تقريره المشاكل التي واجهها في عملية رسم خريطة انمائية فقال ان ما ينقص لبنان قبل الماء والكهرباء والمواصلات هو فقدان فرص عمل تعمل للمصلحة العامة وبروح تعاونية لحل العديد من المشاكل في الحقلين الإقتصادي والإنساني. ويضيف انه اذا لم يحصل تحول في ذهنية النخبة الشابة ولم تحدث ثورة فكرية وخلقية تكون التنمية هشة.
ويعتبر ان مبرر وجود لبنان وديمومته هو انساني في الدرجة الأولى لكن النزعة الفردية لدى اللبناني تفقد كل نجاح معناه وقيمته وينتهي الى القول ان الإصرار على العوامل الخارجية امر غير مألوف وانه من غير السليم ان نترك لغيرنا انجاز ما يمكن ان نفعله بأنفسنا.
وفي رواية افتراضية ان الأب لوبريه عندما التقى الرئيس شهاب في زيارة بروتوكولية وداعية لتسليمه التقرير سأله الرئيس شهاب عن رأيه فأجابه ان لبنان اشبه بهرم يمشي على رأسه وليس على قاعدته وان اعادته ليسير طبيعيا سوف يؤدي الى الفوضى.
من الواضح ان الأسباب التي منعت تقرير البعثة من النجاح ما تزال قائمة حتى اليوم. فهل هذا ما يدعونا الى التفكير بتنظيم الفوضى؟!