بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 أيلول 2022 12:05ص هوكشتاين والحلم اللبناني

حجم الخط
أضحى جدول أعمال الموفد الأميركي آموس هوكشتاين ورزنامة تحركاته ما بين بيروت وتل أبيب وباريس وحتى خلال استجمامه في اليونان هو الحدث الوحيد والأكثر أهمية في السياسة اللبنانية. الرئاسات الثلاث تتنفس برئة هوكشتاين مالىء دنياها وشاغلها، وتُسلّط الأضواء على زيارة منسّق الجمهورية اللبنانية ونائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الى القصر الجمهوري لنقل خبر زيارة الموفد الأميركي ويتسابق المهتمون بالملف للإعراب عن قدرة وكفاءة كلّ منهم في الإلمام بجدول تحركات هوكشتاين. بيان القصر الجمهوري الذي أعلن عن الزيارة في نهاية الأسبوع لا يبدو واثقاً من دقة الخبر وتوقيته، فزوار الجمهوريات حتى من الرؤساء يعلنون عن مواعيد زياراتهم وجداول أعمالهم بدقة، هذا ما يقتضيه البروتوكول والعلاقات النديّة بين الدول، إلا إذا كان زائر الجمهورية أكثر أهمية من رئاساتها فيصبح في حلٍّ من إلتزام قواعد اللياقة والإحترام.
ترسيم الحدود البحرية ليس مبارزة تقنية أو حقوقية بين لبنان وإسرائيل أولاً ، فلو كان الأمر كذلك لتمسّكت الرئاسات في لبنان بالخط 29 الذي يمكن الدفاع عنه بموجب القانون الدولي وأمام المراجع الدولية تقنياً، وهو ليس مسألة إقتصادية يعوّل عليها لإنقاذ لبنان ثانياً لأنّ الدولة التي لا تسير بتطبيق الإصلاحات لوقف سرقة المال العام والتهريب وترفض تعيين الهيئات الناظمة في قطاع الكهرباء والبترول والمتردّدة في وضع خطة نهوض جديّة وإقرار قوانين الكابيتال كونترول هي أعجز عن إدارة ملف إقتصادي بمستوى استخراج المشتقات البترولية وتسويقه، بل ربما يزداد حماس الرؤساء وعيونهم بريقاً  كلما لاح طيْف هوكشتاين في الأفق أملاً بإضافة مورد جديد الى ميادين فسادهم. وهو ليس مسألة سيادية ثالثاً فالتعاطي الرسمي مع التسيّب والإستباحة بشتّى أنواعها على الحدود وفي الصمت وتجاهل الترسيم في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا هو خير دليل أنّ السيادة في لبنان هي مفهوم نسبي يخضع لمعايير الإستقواء بالخارج لهذا الفريق أو ذاك. 
على المستوى اللبناني، يستعجل الرئيس ميشال عون ومعه الرئيس نبيه بري وحزب الله مسودة الترسيم قُبيل استحقاقات حرجة ستبلغ ذروتها مع انتهاء ولاية الرئيس عون دون اتّضاح معالم المرحلة المقبلة. ما يريدونه من الترسيم هو طيّ حقبة من عمر الجمهورية والإنتقال الى حقبة أخرى على قدر أحلام وآمال كلٍّ منهم. رئيس الجمهورية يريده مشروطاً بالإستحقاق الرئاسي ومستقبل جبران باسيل، والرئيس بري يريد تجديد دوره بنسخة بترولية تتناسب مع أزمة الطاقة الدولية، كيف لا؟ فهو عراب  مساره التفاوضي وفقاً للخط 23، كما أنّ إبرام أي معاهدة مرتبط بموافقة مجلس النواب ( المادة 52 من الدستور) ، ويريده كذلك أمين عام حزب الله الجاهد لتقديم حزبه مجدداً بنسخته البحرية هذه المرة، كضامن لإستقرار الجمهورية وعرَّاب أمنها ومستقبلها البترولي. 
أما على المقلب الدولي فالأمور في مكان آخر وقد لا تلاقي أحلام اللبنانيين المتسارعة. فملف ترسيم الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية – أو بكلمة أدق ملف استخراج الغاز اللبناني والإسرائيلي بوساطة أميركية – أضحى ملفاً متكافئاً مع ملف فيينا. الملفان يجمعان طهران وواشنطن على طاولتيّ مفاوضات، وتنعكس نتائجهما على مستقبل وحدود الدور الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، وكلاهما مرتبطان بالإستقرار الإقليمي بشقيّه الإقتصادي والأمني. المستفيدون والوسطاء هم أنفسهم في الملفيْن، في المفاوضات النووية تقود فرنسا مبادرات الإتّحاد الأوروبي لإعادة إحياء الإتّفاق بهدف الإستفادة من الغاز الإيراني وإنعاش إقتصادها بتحرير رؤوس الأموال المجمّدة، وفي ملف الترسيم تتكثف لقاءات السفيرة الفرنسية في بيروت مع حزب الله، ويدعو الفرنسيون الوسيط الأميركي للإجتماع بشركة توتال في باريس ويجهدون لإقناعه بأنّ أمن منصات الإستخراج ممكن مقابل صفقة فرنسية إيرانية، فلا ضيْر بالنسبة للولايات المتّحدة في تثبيت هيّمنة لحزب الله على الإقتصاد اللبناني إذا كان ذلك لا يعرّض أمن إسرائيل للخطر.
يبدو أنّ مساريّ التفاوض في الملف النووي وترسيم الحدود قد أصبحا مساريْن لتوجّه أميركي واحد، كما يبدو أنّ مسودة هوكشتاين التي تستحضر في كلّ مرة شروطاً إسرائيلية تفاجئ المسؤولين في لبنان قد أضحت نسخة من مسودة جوزيب بوريل منسّق السياسة الخارجية في الإتّحاد الأوروبي التي تتقاذفها شروط وردود فعل متفاوته بين كلّ جولة وضحاها. وعلى وقع زيارات هوكشتاين المتباعدة تبدو المحاولات المحليّة لتطويع إنجاز الترسيم ضمن المهلة المتبقيّة في رزنامة العهد حلماً لبنانياً محكوماً بالفشل.

مدير المنتدى الاقليمي للاستشارات والدراسات