بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 شباط 2021 12:28ص وسط أجواء الآتي الأعظم

حجم الخط
لعل أكثر ما يلفت الانتباه في هذه المرحلة الحسّاسة والخطيرة من تاريخ هذا الوطن الذي باتت تداعيات الانهيارات الحادة وسقطاتها المريعة في المهاوي المؤدية إلى أعماق جهنم، وأهم ما بات يبرز على ساحات الأحداث، تحركات مطلبية تعلي الصوت والصياح والمطالبة الإحتجاجية التي لا تتوانى عن إطلاق الآلام والأوجاع المتراكمة في أجواء الحياة اللبنانية العامة، وتهدّد المواقع الحاكمة والمتحكّمة بمواقف جوّاله في أكثر من موقع مسؤول، ولعلّ أبرز هذه المواقف، تحرّكات إنفجار مرفأ بيروت التي أسفرت عن جملة من الكوارث التي طاولت العاصمة وأبناءها، وعلاج هذه المأساة «النووية»، ما زالت تنام وتستفيق منذ ما يزيد على الأشهر الستة، وهي إن كانت بالنسبة للمسؤولين الأفذاذ، مجرّد رقم ما زال يلقى جرجرة وإخمادا لحرائق قد تبدأ ولا تنتهي، وأن الوضع القائم يكاد أن يكون محصورا بتحديد الأضرار والتعويضات التي باتت متوجبة على شركات التأمين، وإن المسؤوليات التي تتجاوز هذا الإطار المصطنع قد أصبحت خارج الواقع والاهتمام العام، وكان طبيعيا أن يلقى هذا الاستلشاق في الاحتساب والتقدير والمعالجة، بدايات تحرّك من جماهير المنكوبين والمتضرّرين، وهم قد باشروا الإستعداد والتجمع والتحذير والتهديد بتوسيع نطاق تحرّكهم وصولا به إلى حدود العنف والتمدد إلى أكثر من منطقة لبنانية، وإلى أخذٍ للحق بأيدي أبنائه، وللضرر بمواقعه المؤلمة والتي أصيبت بالإهمال والتحوير والتجاهل، وجميعنا بانتظار المستجدات حول نتائج هذه المأساة الفريدة في العالم.
قطاع آخر من المتضرّرين إلى أقصى الحدود: المواطنون أصحاب الودائع في المصارف وقد تآمر عليهم عدد من الجهات عديمة الإحساس حيث حرّمت عليهم وتم التعامل معهم وهم أصحب الحق في جنى الأعمار، وكأنهم قد سرقوا هذا المال الحلال الذي حصّلوه بعرق السنوات الطوال، هو تصرف مؤسف يضع جميع أطرافه والمساهمين في ارتكاب موبقاته في موقع الجاني المسؤول والمتآمر المُدان، وقد أسهم هذا التصرف في خراب بيوت بريئة، خاصة منها أصحاب الودائع المتواضعة، كلّ ذنبها أنها آمنت بسلامة أوضاع وتصرفات المصارف، فكانت النتيجة أن نشهد كل هذه الأرتال من الضحايا الأبرياء، الاّ من حسن النية والإيمان «بسلامة» القطاع المصرفي والرضوخ لإجراءات الإدارات المصرفية والتسبب بخسارات موجعة وبفقدان كامل الثقة بهذا القطاع الذي كان لؤلؤة من البروز الساطع، وسلامة الأوضاع والتصرف البريء من كل الشوائب والأعمال التآمرية غير السليمة. 
...في غمرة الأحداث القائمة، إستمعنا في نهاية الأسبوع المنصرم، إلى كلمة الوزير السابق جبران باسيل، تناول فيها جملة من الأمور التي أثارتها مجموعات لبنانية متعددة المواقع والإنتماءات، وكم جاءت مصادفة الحديث المذكور، لتبين أمرين أساسيين في مدى العزلة والتراجع الوطني والشعبي الذي بات التيار الوطني الحر وأجواؤه العامة، يسبح في غياهبها، حتى إذا ما دققنا في الجهات والفئات التي أصبحت جميعها في المقلب المخاصم للتيار وأجوائه الرئاسية ومعظم أوضاعه الشعبية، تبين لنا أنه بات وحيدا بين الدائرين في فلك حزب الله، بينما غالبية الفئات اللبنانية على اختلاف امتداداتها وأحزابها وطوائفها، ترفع الصوت والتعليق عاليا معلنة خطوطها ونهجها المخاصم والمخالف، وقد جاءت تعليقاتها الإعلامية ومواقفها العامة، تتناول مفاصل الحديث الباسيلي، مبرزة بشكل خاص نقاط العصبية والتعصب والإنكماش الطائفي، وآخذة على بقية المواقع السياسية والطائفية توجهاتها الوطنية المخالفة، ومستنكرة لغة الإنكماش والتقوقع التي أدخل التيار كل تصريحاته ومواقفه والتزاماته في إطاراتها الظاهرة والخفية. 
وإذ يشكك الوزير السابق باسيل في التوجهات الوطنية لأخصامه وعلى رأسهم، البطريرك الراعي وسائر القادة الروحيين المسيحيين، نجده يقف بكل حزم وعزم في صلب التوجهات الإيرانية التي تتناقض تماما مع التوجهات الأساسية والمذهبية لإقناع توجهات القادة الإيرانيين، المذهبية منها بجذورها الفارسية ذات المطامح الأمبراطورية، دون أن نغفل المقاصد الواضحة في أقوال الوزير باسيل التي ملّت من ألقابها السابقة التي استجمعها من خلال رئاسته للتيار الوطني الحر وعلاقته الوثيقة برئيس البلاد وهدفه من كل نشاطاته وتصريحاته المتوترة والغاضبة في إطارات الرئاسة المسيحية القوية، وهو يعد العدّة لمرحلة يرى أنها بدأت، ويرى خصومه الكثير ومن خلال التوجهات الداخلية والخارجية والعربية أن الأحوال قد بدأت في دوران متغيّر بما يخالف الآمال «القوية»، البلاد تغلي في أحوال من التراجع والجوع والفساد والإفلاس وباقي ما تبقى من الحلم الذي يغني على ليلاه وسط أجواء الكورونا الطبية والسياسية التي تفتك بالبلاد والعباد، والآتي أعظم، مكتفين بما يحيط بنا في هذه الايام من تحركات شعبية وأحوال مواطنيه مهتزة ومضطربة وتجاوزات مسؤولين مفرطة في التجاوز. حمى الله بلادنا ومواطنيها.