بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 كانون الأول 2020 12:01ص الأسمر لـ «اللواء»: ترشيد دعم الطحين لن يوفّر على الدولة شيئاً.. وأصحاب الأفران: لا مخزون بعد إنفجار المرفأ

المنقوشة.. ضحية جديدة لرفع الدعم

حجم الخط
مع كل طلعة شمس، ثمة جديد في لبنان. للأسف غالباً ما يكون سلبياً وسيئاً ومفجعاً، لأن في هذا البلد لا سياسات عامة تحكم، بل محاصصات وفساد وسمسرات وتسرّع.

قبل أيام، إستفاق «المواطن - الفقير» على خبر ارتفاع سعر «المنقوشة»، وهي رمز لقمة الفقير والعامل قبل أن تكون جزءاً من تراث المطبخ التقليدي، وذلك بعدما أعلن وزير الإقتصاد في حكومة تصريف الأعمال راوول نعمة إحتمال اتجاه الدّولة لرفع الدّعم عن الطّحين الإكسترا الذي يدخل في صناعاتٍ عدة من مشتقات الخبز.

وكالعادة، يتلقّى اللّبنانيّون أزماتهم المتعاقبة بالتعبير «المضحك-المبكي»، فضجّت وسائل التواصل الإجتماعي بالنّكات حول خبر غلاء «المنقوشة»، ما يعكس استغرابهم الشدّيد لما هو غايةٌ في الخذلان والفشل وغياب المسؤولية في أداء المنظومة الفاسدة التي لم يسلم من كيدها حتى «قوت الفقير».

يستورد لبنان شهريّاً حوالي 50  ألف طن من القمح، منهم 27 ألف طن للخبز العربي و18 ألف طن للطّحين الإكسترا الّذي يستخدم في صناعة المناقيش والكرواسان والحلويات، ذلك بحسب وزارة الإقتصاد الّتي ستصدر خلال الأيّام المقبلة قرارها النهائي بشأن رفع الدّعم عن الطّحين الإكسترا. وإزاء هذا، علت أصوات جهاتٍ عدّة، من نقابات معنيّة وإتحاد عمالي وأخرى غيرها.

«اللّواء»، سعت للوقوف على حقيقة الأمر من خلال معرفة رأي الأطراف كافة، علّ في مقاربة الأمر ما يسهم بتلمّس شيء من الحلول.

الهبة العراقية تنفّذ قريباً

في حديثٍ خاصّ لـ «اللّواء»، يطمئن مدير عام الحبوب والشمندر السكري في وزارة الإقتصاد جريس برباري، اللّبنانيين بأنّ «رفع الدّعم لن يصل إلى طحين الخبز العربي أبداً وسيبقى مدعوماً، فالدّولة تدعم القمح الّذي يستورد بعد طحنه». ويؤكّد أنّ «الوزارة تعمل ليلاً ونهاراً لعدم رفع الدّعم».

ويوضح برباري أنّ «ترشيد الدّعم يقوم لأجل القدرة على الإستمرار بالدّعم لأطول وقتٍ ممكن، وترشيد الدّعم على بعض منتجات الطّحين لا يعني أنّ ذلك سيطال القمح العادي الّذي تصنع منه ربطة الخبز العادية، فالقمح هو الرّقم الأوّل ضمن لائحة المنتجات المدعومة، أي أنّ أي زيادةٍ أو نقصانٍ أو ترشيدٍ لن يؤثّر على دعم القمح وبالتّالي على الطحين العادي أيضاً».

ويرى بأنّ «هبة الطّحين العراقي هي التّي تساعد في هذه الأوقات على عدم زيادة سعر الخبز العادي». ويصرّح لـ «اللواء» بأن «هذه الهبة ستكفي حاجات البلد إلى شهر كانون الثاني 2021 وعند نفاذها لا بدّ من إيجاد حلولٍ مع التّأكيد أنّ الدّعم الدّاخلي على الطحين العادي مستمرّ ولن يُرفع».

الأفران: لا مخزون إستراتيجي بعد إنفجار المرفأ

وعن موقف نقابة أصحاب الأفران، يشدّد نقيب أصحاب الأفران علي إبراهيم في حوار مع «اللّواء» بأنّ «الرغيف العادي خط أحمر»، ويشير إلى «تنسيق النّقابة مع الإتّحاد العمّالي العام وقرارهم بإعلان الإضراب في حال طال غلاء الأسعار رغيف المواطن العادي، وذلك وقوفاً إلى جانب النّاس»، لكن يوضح أنّه «على ما يبدو سيتم رفع الدّعم عن طحين الإكسترا وذلك حسب معطيات إجتماع وزير الإقتصاد مع أصحاب المطاحن نهار الجمعة الفائت»، وعند سؤاله حول امتناع المطاحن عن تسليم الطحين للأفران في بعض الأحيان، يقول بأنّ «من يحدّد أسعار الطحين هم المستوردون إذ أنّهم كتجار يستوردون القمح مباشرةً وبالتّالي السّعر بيدهم وبحسب الدّولار يتحكّمون بالسّوق». ويلفت إلى «ضرورة النظر إلى وضع أصحاب محال المناقيش الصغيرة فهؤلاء إن ارتفع سعر طحين الإكسترا، ستقف أشغالهم وتقفل محالهم الصّغيرة الّتي يجنون منها قوت يومهم، علماً أنّهم غير تابعين لنقابة أصحاب الأفران وليس لديهم رقابة».

أما عن المدّة الّتي يمكن أن تُغطّى خلالها حاجات الوطن من مخزون الطّحين المتوفّر حالياً يرى إبراهيم أنّ «كمية الطّحين المتوفّرة تفي لشهرين بعد الآن فقط». ويلفت أنّه «قانونياً يجب توفّر مخزون إستراتيجي دائم في البلاد يفي لـ 4 أشهر، لكنّ الدّولة خسرت هذا المخزون بعد إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب، والآن تختصر الحمولات على البواخر فقط لأن اهراءات القمح تدمّرت».

ويضيف: «الهبة العراقية ستغطي حاجات السّوق حتّى شهر كانون الثاني 2021، وفي حال عدم توفرّ مصدر آخر للطّحين، حكماً سيرتفع سعر ربطة الخبز بمعدّل زيادة 500 ل.ل إلى 750 ل.ل على سعرها الحالي، والسّبب أنّ سعر القمح ارتفع عالميّاً من 210 دولارا إلى 280 دولارا، وهنا من حقّ الدول الطبيعي أن يرفعوا سعر الطّحين، فارتفع سعر الطّحين اللبناني من 590000 ل.ل إلى 812000 ل.ل، لكن مع توفرّ الهبة (العراقية) الآن يصل لحوالي 684000 ل.ل، ومع نفاذها سيرتفع سعر ربطة الخبز».

الاتحاد العمالي: لا لتصنيف الطحين

في السياق، يؤكد رئيس الإتّحاد العمّالي العام بشارة الأسمر أنّهم «على إتّفاقٍ وتواصل ٍدائمٍ مع كلّ من نقابة أصحاب الأفران وأصحاب المطاحن من أجل الحفاظ على سعر الطّحين والخبز الأساسي، ويشدّد آنذاك «على ضرورة عدم تصنيف الطحين ما بين طحين عادي للخبز العربي وطحين إكسترا لمشتقات الطّحين وصناعاته من قبل الدولة»، أيّ بمعنى آخر يرى الأسمر أنه «لا داعي لهذا التّصنيف، لأنّ التوفير فيه لا يعدّ عاملاً فارقاً بالنظر لما يُدفع على المحروقات أي حوالي ثلاث مليارات دولار سنويّاً، في حين يكلّف دعم الطّحين حوالي 30 مليون دولار سنويّاً فقط، وبالتّالي «المسّ بسعر الخبز ومشتقاته ممنوع ولا يجوز». ويصرّح أنّه «تحدّث بهذا الملف خلال إجتماعاته مع الوزير نعمة في السّرايا الحكومية وتمّ التنسيق مع النّقابات المعنية كي لا يمسّ بسعر الرّغيف، وللحرص الدائم على تخزين إحتياطي لا يقلّ عن 30 ألف طن من الطّحين شهريّاً، كي لا يتأزّم الوضع كما حدث عند إنتشار خبر رفع الدّعم عن الطّحين الإكسترا».


ويتابع: «في واقعنا، لا زالت المنقوشة تعتبر قوتاً للفقير، لذلك يجب أن نحافظ على هذا، إذ أن المبلغ الذي ستوفره الدّولة من الإحتياطي في حال رفع الدّعم عن الطّحين الإكسترا لن يحسّن ويغيّر من الواقع الصّعب شيئاً».

ويختم آملا «عدم رفع الدّعم عن الطّحين الإكسترا، فهذا سيُدخل الإتّحاد العمّالي والرأي العام في نفقٍ من التحركات والإحتجاجات، معلناً نهار الأربعاء القادم إضراباً عاماً شاملاً» ومتمنياً، «مشاركة القطاعات كافّة والشّعب للتنسيق معهم في تحديد أماكن التحركات وأوقاتها».

«سيناريو التّجويع لناظره قريب!»

أليس غريباً أن تمتلئ المستودعات بهبات الطّحين ويستفيق العامّة على فضيحة تلف الهبات العراقية منذ أسابيع بسبب سوء التّخزين في حين أنّ الشّعب ينازع اليوم ليتقبّل خبر رفع الدّعم عن طحين الإكسترا وليتعايش مع مرحلةٍ جديدةٍ من معاناته مع غلاء المعيشة، مرحلة يبدو أنّها في الآونة الأخيرة ستدقّ «ناقوس خطر غضب الشّعب»، فماذا إن طال غلاء الأسعار ربطة خبزهم اليومية؟ (التي أصبح سعرها أساساً 2000 ل.ل لكل 900 غرام)، وما العمل إذاً إن نفذت هبات الطحين؟ علامات استفهامٍ كثيرةٌ تُطرح فعلى ما يبدو إذاً أنّ «سيناريو التّجويع لناظره قريب»!