بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 كانون الأول 2018 12:00ص الحياة تعود إلى برناسا البترونية المندثرة منذ الحرب العالمية

حجم الخط
عندما تقصد قضاء البترون، يستوقفك جمال الطبيعة الخضراء، وهدوء القرى المتناثرة وسط بساط أخضر، ما زالت قرى قضاء البترون تحافظ عليه بنسبة 70%.
بين هذه القرى البترونية، يتذكّر أهل المنطقة 14 قرية اندثرت مع التاريخ، ولم يبق منها سوى الأطلال وبعض الخرب، وهي اليوم إما ملحقة بقرى أخرى، نظراً إلى وجودها على تخومها، أو أصبحت وقفيات للأديرة المجاورة، وفي مطلق الأحوال تحولت هذه القرى مع الوقت، إلى منتزهات للشباب للتخييم وسط الطبيعة، أو حتى مواقع مناسبة للصيادين وهواة المشي في الطبيعة.
برناسا تعود!
من بين القرى البترونية المندثرة قرية برناسا المهجورة منذ الحرب العالمية، إلا أنّ مَنْ يقصدها اليوم يرى بأم العين أنّ الحياة بدأت تدب في مفاصل الطبيعة، التي تحوّلت من أحراش إلى جلول مزروعة، وبات من الممكن الوصول إلى القرية عبر طريق مجهّزة للسيارات رباعية الدفع في الوقت الحالي، ومؤخّراً تمَّ إحضار جرافة قامت بتمهيد وتوسيع طريقٍ قديمة، وأصبح بإمكان السيارات رباعية الدفع الوصول إلى دير قديم، يحمل إسم القديس جرجس، وهو الشاهد الوحيد على وجود بقايا حياة في الماضي العابر.
هذا، ويظهر أنّ عملية ترميم الدير تشير إلى إمكانية عودة الحياة، ليتحوّل المكان إلى بيت ضيافة للاحتفالات، يطل على طريق القدّيسين، الذي افتتحه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون منذ فترة وجيزة، في حين أنّ الوقوف على سطح المزار التاريخي، يجعلك تتأمل أجمل منظر لغروب الشمس، قبالة شاطئ البترون، وقمم جبال الأرز في أعالي البترون.
أعمال الترميم  بدأت في الطابق السفلي للمبنى الأثري، الذي تحوّل مع الوقت من زريبة للمواشي إلى عقد حجري قديم، وقاعة محاضرات وصالون استقبال لزوّار المنطقة، كما سيتحوّل الطابق الأوّل للمبنى الأثري إلى بيت ضيافة، مؤلّف من صالون وغرفتي نوم ومطبخ وحمام، ومن الممكن استعماله كمسكن للرهبان وغرف للضيافة، في حين يتحوّل الطابق الثاني إلى قاعة احتفالات دينية، ومركز للنشاطات الكشفية والشبابية والمؤتمرات.
برناسا التي ترتفع قرابة الـ 1000 متر عن سطح البحر، تحيط بها 7 خرايب قديمة، وبقايا معصرة، وعدّة آبار لتجميع المياه، هي ما تبقّى مما كان يُعرف منذ مئات الأعوام بإسم برناسا، كما تزنّرها بلدات: مار ماما، حدتون، محمرش وراشا في بلاد البترون، وبلدة ميفوق في بلاد جبيل، ويمكن الوصول إليها من مفرق على طريق مار ماما – ميفوق، عند محلة وطا عيطا، وتمر الطريق بدير مار سابا الأثري، وتكمل لتصل إلى دير مار جرجس، الذي يقع في وسط البلدة، فيما تبعد عن الطريق العام مسافة 2 كيلومتر.
عبر التاريخ
من المتعارف عليه أنّ تاريخ برناسا يعود إلى نحو العام 1340م، تاريخ بناء سيدة إيليج في بلدة ميفوق المجاورة، لكن بعض المؤرّخين يشيرون إلى أواخر القرن الرابع عشر، ما بين 1375م و1400م.
وأهم ما كُشِفَ النقاب عنه هو ما أورده الدكتور عصام خليفة، إبن بلدة حدتون المجاورة في كتابه «فلاحو ناحية البترون في القرن السادس عشر»، حيث أورد في الإحصاء العثماني الذي جرى عام 1519، أنّه كان في برناسا 9 رجال ذكور متزوّجين، أي إنّها كانت مؤلفة من 54 شخصاً، وكانت تدفع ضريبة بقيمة 960 آقجة. 
وفي الإحصاء الذي جرى عام 1571م، أصبح يُقيم في البلدة 15 رجلاً متزوّجين، أي 90 شخصاً، وتدفع ضريبة بقيمة 1850 آقجة.
وذكر البطريرك اسطفان الدويهي في كتابه «تاريخ الأزمنة في أخبار سنة 1617م»، في تعداده أسماء النسّاك، الذين سكنوا محبسة مار مخائيل في وادي قزحيا إسم «القس يعقوب من برناسا من معاملة البترون.
ولم يبق من تاريخ البلدة سوى الأخبار التي يتناقلها أبناء القرى والبلدات المجاورة، الذين يقولون بأنّه ما بين أواخر القرن السابع عشر ومطلع القرن الثامن عشر خربت البلدة، وهجرها أهلها، وبعد خراب بلدتهم نزحوا عنها ولم يعودوا إليها لاحقاً.
وتعاقبت السنوات وأصبحت الجلول أحراشاً، وارتفعت الأشجار الحرجية وغطّت البلدة، ثم أصبحت أراضي برناسا ملكاً لدير ميفوق للرهبنة اللبنانية
واليوم تعود الحياة إلى برناسا عبر تحويل القرية إلى مزار تاريخي، خاصة أنّها تقع على طريق القديسين التي تبدأ من دير مار شربل في عنايا إلى بلدة لحفد مسقط رأس الأخ اسطفان، إلى دير القطارة وسيدة ايليج، وصولاً إلى دير كفيفان ودير جربتا. وبدأ العمل.
وبعد مئات الأعوام، يُقرع اليوم جرس دير مار جرجس في برناسا، ويصل صوته إلى القرى المجاورة، داعياً المؤمنين إلى القدّاس، كما عاد المكان ليستقطب العشرات من أبناء القرى المجاورة،  وبعضهم يأتي من مناطق بعيدة خصوصاً في عيد مار جرجس من كل عام.
ومع توسيع الأعمال ووصول الكهرباء والمياه،  ستتحوّل القرية مستقبلاً إلى واحة للصلاة والتأمل.
ومنذ صيف 2017 أعادت الرئاسة العامة للرهبانية اللبنانية المارونية إقفال الموقع بهدف درس تحويله إلى دير رسمي يضم جمهوراً من الرهبان.
وعلى أمل عودة الحياة إلى كل قرانا اللبنانية، ستكون برناسا شاهدة على جمال الاصطياف في قرى البترون في وقت قريب.