بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 تشرين الثاني 2020 12:02ص السلطة الغائبة عن كل شيء تتذكّر أهالي بيروت بـ ضريبة جديدة!

«اللـواء» تتابع شكاوى الأهالي من عدادات الآبار

تركيب عدادات ذكية في بيروت تركيب عدادات ذكية في بيروت
حجم الخط
وكأنه كتبَ على المواطن اللبنانيّ أن يتجرّع الظلم وضياع الحقوق والخسارة مرتين أو أكثر جرّاء سياسات العشواء التي تعتمدها السّلطة في كل القطاعات والمجالات. لا تكتفي السلطات في لبنان بعدم التخطيط وغياب السياسات الرشيدة، بل تعوّدت على مدّ يدها إلى جيب المواطن، بسبب ومن دون سبب، من ضمن شهية لا تشبع لإذلال الناس وتعبئة جيوب المنتفعين.

اللبناني المحروم من الاستشفاء العام والتعليم الرسمي الجيّد وضمان الشيخوخة، يدفع فاتورتي كهرباء لا تأتي، وفاتورتي إنترنت ضعيف، والجديد دفعُ ثلاث فواتير للماء. نعم، ثلاثة؛ واحدة للمياه الآتية من اشتراكات مصلحة المياه، والثانية لمياه الشرب، والثالثة لعدّادات يتم وضعها على آبار الأبنية في بيروت.

وكأنه كُتب على بيروت ومن فيها الشقاء الدائم، لا يكفي أن تفجير المرفأ أودى بحياة مئات الضحايا، وآلاف الجرحى وشرّد عشرات آلاف العائلات، فتأتي وزارة الطاقة لتضع على الجرح ملحاً في المدينة المنكوبة.

«اللواء» تتابع في هذا التقرير عشرات الشكاوى التي وردتها من أهالي العاصمة، عمّا وصفوه بـ «الإجراء التعسّفي»، ويبدون تخوّفهم من احتمال فرض ضريبة جديدة، على مياه الآبار في بيروت الكبرى بعد مباشرة الوزارة منذ حوالي السّنة ونيّفٍ بتحريك ملف العدّادات التّي يجب تركيبها على الآبار المرخّصة، وقد باشرت فعلاً فرق الوزارة بتركيب هذه العدّادات.

قانون الـ2010 يُطبّق في الـ2019

وبحسب المعلومات فإن قرار تركيب العدّادات أو ترخيص الآبار ليس بجديدٍ، إنّما تحريك هذا الملف بدءاً من 28 حزيران 2019 هو الجديد، وقد تمّت المباشرة بمتابعته بعدما أصدرت وزارة الطّاقة والمياه قراراً ينصّ على ضرورة تقديم طلبات ترخيص الآبار أو استثمارها أو تسويتها، وذلك بهدف ضبط وضع الآبار غير المرخّصة وفرض تركيب العدّادات عليها.

المشكلة ليست هنا، أي ليست في أنّ القانون ينصّ منذ عام 2010 على تركيب العدّادات، بل الأزمة تكمن بأنّ ما أوصل المواطن لحفر الآبار سواء بشكلٍ عشوائي أو غير عشوائي هو سوء السّياسات التّي اعتمدتها الدّولة من الأساس في كيفيّة استثمار الثروة الوطنية المائية، السّطحية أو الجوفيّة. فمع عجز الدّولة عن الإستثمار الصحيح وفقدان المواطن، بالأخصّ في منطقة «بيروت الكبرى»، حاجة أساسية وهي المياه، انتشرت ثقافة حفر الآبار، بشكل قانوني أو عشوائي.

وبعد تحريك ملف التّرخيص وتركيب العدّادات منذ العام الفائت، بدأت الشكاوى والمخاوف من قبل المواطنين من فرض ضريبةٍ جديدةٍ، وهي ضريبة مياه الآبار، فيصبح بذلك مجبراً على دفع ثلاث فواتير للمياه؛ خدمة المياه المنزلية «غير المتوفرّة فعلياً»، فاتورة مياه الشّرب، وضريبة مياه الآبار، في وقت يعيش اللبنانيون أقسى أزماتهم المالية والحياتية والاقتصادية. 

شهادات وشكاوى

وللإطّلاع ميدانيّاً على المشكلة، قصدت «اللِّواء» إحدى البنايات في أحد أحياء بيروت للإطّلاع والإستفسار من الأهالي عن تركيب العدّاد على البئر الخاصّ بهم، وقد أفاد مسؤول لجنة البناية، بأنّ «وزارة الطّاقة كانت قد فرضت تقديم طلبات التّرخيص وفق الآليّة التّي أصدرتها عام 2019، فتمّ تقديم الطّلب، إلاّ أنّ ما حصل منذ 17 تشرين ومن ثمّ جائحة كورونا يبدو أنّه أخّر عمل الوزارة، فتمّ إرسال فريق خلال الأسبوع الماضي لتركيب العدّاد على بئر البناية أي أنّ تنشيط العمل على ذاك القرار قد بدأ من جديد». ويؤكّد أنّ «الطّلب ليس بجديد والقانون ينصّ على ذلك منذ عام 2010 إلاّ أنّه لم يكن قيد التّطبيق إلى حين تحرّكت الوزارة في العام الماضي لإعادة تفعيله والعمل به».

وبعد سؤاله عن موقفهم كمواطنين، في حال اتّجهت الدّولة لفرض ضريبةٍ جديدةٍ يشير إلى أنّهم «مع تطبيق القوانين، ولكن بالتأكيد ليسوا مع فكرة طرح ضريبة جديدة على المواطن في ظلّ الظروف الحاليّة»، التي وصفها بعبارة «مش عارفين كيف بدنا نقطّعها». ويرى أنّه «على الرّغم من ذلك، العودة الى الدّولة في الدفع، حتّى لو أنّها تعجز عن تأمين الخدمات بشكل كامل، هي أوفر للمواطن من أن يشتري المياه أو الكهرباء مثلاً، من الشركات أو المصادر الخاصّة». ومع ذلك يعبّر «عن الرّفض التّام لإحتمالية فرض ضريبة جديدة». ويشدّد على أنّ «ردّة الفعل ستكون عندها كردّة فعل الشّعب في إنتفاضة 17 تشرين، إذ أنّ أي ضريبة ممكن أن تُفرَض على الشّعب حاليّاً، من الطّبيعي أن تلقى رفضاً واعتراضاً كبيراً».

لا جواب من الوزارة 

«اللِّواء» حاولت الإتّصال بمسؤولي وزارة الطّاقة والمياه أكثر من مرّة للإستفسار عن الموضوع والسّؤال عن مدى صحّة البدء بفرض «ضريبة مياه الآبار»، ولكن لم تأتِ الاستجابة في ظلّ تمنّعٍ مسؤوليها عن الرّد على الاتصالات الهاتفيّة وعلى رسائل الـ «واتساب».

{ «حاكمك ظالمك، بس في الله» يقول أحد المواطنين الّذي يسكنُ في أحد أحياء بيروت التّي تمّ تركيب العدّاد على بئرها. ففي بلد الثّروات المائية الضخمة في الشّرق الأوسط، والّذي تبلغ موارده المائية المتاحة حوالي 2,7 مليار متر مكعب، تعجز الدّولة عن وضع خطط وسياسات استثمارية صحيحة، فيلقى المواطن حصّةً تتحدّد بأقلّ من مستوى الفقر المائي المحدد للفرد عالميّاً في السّنة. (يحصل الفرد في لبنان على 839 مترا مكعبا سنويّا، في حين يحقّ له الإستفادة من 1000 متر مكعّب على الأقل).

وعلاوةً على حرمانه من أدنى مستويات حقّه في الإستفادة من الثروة المائيّة الوطنيّة، تتّجه الدولة إلى سياساتٍ تزيد من سوء استثمار موارد البلاد المائية، لتوصل المواطن إلى البديل وهو حفر الآبار ومن ثمّ تجعل هذا البديل فرصةً لاستفادتها عبر فرض ضريبةٍ عليه!

اليوم، في ظلّ الأزمات التّي تتوالى بالهبوط على المواطن واحدةً تلو الأخرى، وفي ظلّ عدم الثقة في الأداء الرّسمي، وحتّى لو كان القانون ينصّ على تركيب هذه العدّادات لتحصيل ضريبة عليها، هل من المنصف الشروع بتطبيقه الآن، وهو هذا التصرف يُعدّ أخلاقياً في حال كان قانونياً؟ الجواب برسم ضمائر المعنيين، وأغلب الظن أنها خارج السمع.