تُعرَّف الشخصية النرجسية بحسب الدليل التشخيصي للامراض والاضطرابات النفسية بأنها حالة تولد شعور كبير لدى الأشخاص بأهميتهم في المجتمع والحاجة المستمرة إلى الاهتمام المفرط والإعجاب، ومن منظور علم النفس تعرف بأنها حالة تمركز الشخص حول «ذاته» وبأنه نادر الوجود ولا مثيل له.
كما أن الشخص النرجسي هو شخص لا يستطيع مراعاة مشاعر الآخرين، ويبالغ لحد كبير في تقدير مواهبه وإنجازاته ويقلل من شأن الآخرين ومواهبهم.
وقد تكون النرجسية متعددة الانواع بحسب التاريخ المرضي لكل شخص ومنها سنتناول نوعين :
الأول وهو النرجسية «المتمركزة حول الذات» حيث يشعر الشخص بإحساس مبالغ فيه بأهميته الذاتية المحصورة فقط بمشاكله وقضاياه وأموره الشخصية فنسمعه دائما يكرر في حديثه ضمير المتكلم «أنا»
والثاني وهو النرجسية البينشخصية، أي المتجهة نحو الاخرين فنراه لا ينتظر منهم سوى الدعم وتقديم المعونة ومدحه وتعظيمه باستمرار كي يصل الى السيطرة عليهم بشكل كلي ويستغلهم في أي أمر يخدم مصالحه الشخصية، كما أنه لا يعترف بحقوقهم بل بواجباتهم فقط.
فما هي أسباب هذا الاضطراب وإلى أي حد يمكن أن يتطور؟
أولاً-لكل اضطراب نفسي أسبابه العديدة والمتنوعة، فلكي يُشخَّص على أنّه اضطراب لا بد من ربط الأعراض والسمات بالأسباب.
ومن الأسباب التي تسهم في «تكوين» الشخصية النرجسية نذكر:
١-أساليب التربية الخاطئة من قبل الاهل كالافراط في تدليل الطفل والمبالغة في مدحه وأيضاً سوء المعاملة والترك.
(إن لم يشعر بأنّه محبوب فسيبالغ في حبّه لنفسه كتغطية للنقص القديم المعاش)
٢-العامل الوراثي (البيولوجي والنفسي) فالبيولوجي له دور كبير من خلال الجينات التي يحملها الطفل من والديه، والنفسي من خلال التماهي بأحد الوالدين اذا كان نرجسيّاً.
٣-عمليات التفكير المضطربة أي العلاقة بين كل من الدماغ والافكار لتكون النتيجة «السلوك المضطرب».
ثانياً-سنستعرض بايجاز أهم سمات الشخصية النرجسية وكيف يمكن للنرجسي أن يكون أيضا «سادي»
١-شعور الشخص بعظمته باستمرار والمبالغة في الحديث عن ذاته وانجازاته لحد الغرور.
٢-يعتقد الشخص النرجسي أنه يستحق الافضل دائماً والوضعية المريحة له غالباً تكون المناصب العالية التي تمنحه الشهرة والقوة.
٣-مدح الذات باستمرار وعدم تقبّل النقد من قبل الاخرين كما أنّه لا يكف الحديث عن انجازاته الوهمية.
٤-الشخص النرجسي يميل دائماً الى استغلال الاخر لارضاء حاجاته والوصول الى ما يريد، غير ذلك لا يهمه الاخر سوى للتصفيق له ومدحه وأن يقوم بما ينتظره منه ، وأي تصرف عكس ذلك يعتبره خيانة من قبل الاخر بحقه.
٥-الافراط في التظاهر بالثقة بالنفس يرافقها شعور مستمر بالاضطهاد.
٦-يستغل الاخرين في المواقف الاجتماعية لتحقيق أهدافه.
٧-يفضل مقابلة أشخاص ذو أهمية كبرى في المجتمع ولا يقبل بمجالسة من يعتقد بأنهم أدنى منه.
٨-محاولة لفت الانتباه دائماً.
٩-يعتقد دائماً أنه محسود وبأن هناك من يريد أن يأخذ منصبه.
١٠-الميل دائماً الى الافراط في الاهتمام بمظهره الخارجي وبأناقته ويتفاخر بممتلكاته.
١١-لا يعترف أبداً بحاجات الآخرين كما أنه لا يتفهم آلامهم ولا يتعاطف معهم.
إن التعامل مع النرجسي حتماً صعب اذا كنا نتحدث عن شخصاً عادياً أي مقرب أو صديق فلا بد أن تنتهي العلاقة فورا كي لا يكون الاخر «ضحية» له.
أمّا إذا كان هذا النرجسي زعيماً سياسياً فهنا نحن أمام طرح أحدث من الذي قدمناه لأنه لكي يتمكن من السيطرة على شعباً كاملاً من حيث موقعه فلا بد أن يكون أيضاً لديه بعض «السادية» ليصبح «نرجسي-سادي».
والسادية هي أيضاً واحدة من أخطر الاضطرابات النفسية حيث لا يمكن للشخص أن يتلذذ بشيء الا من خلال إيلام الآخر وإذلاله وأيضا أنواعها عديدة منها سنركز على السادية السلوكية(القمع، العنف، التجويع والاذلال) والسادية النفسية(ايلام الاخر نفسياً، السيطرة عليه).
إذاً هنا عندما يكون النرجسي «زعيماً» سياسيّاً فهو في المنصب «المريح» له كي يسلُك بالطرائق التي ذكرناها أعلاه ويمارس نرجسيته من خلال:
١-لفت الانتباه من خلال خطابه الذي لا يتضمن سوى قوته وعظمته.
٢-الشعور بالاضطهاد بسبب الاحزاب او الطوائف الاخرى المعادية له.
٣-التفاخر بإنجازات وهمية.
٤-العمل دائماً لمصلحته دون مصلحة الشعب.
٥-أي اعتراض على تقصيره في واجباته الوطنية يعتبره كذب وافتراء.
٦-لا يجالس عامة الشعب أو ممثلي الثورة بل دائماً يبحث عن الحلول مع رؤساء الدول الأخرى.
٧-خلال المؤتمرات الصحفية أو بعد انتهاء الجلسات يتعامل مع الاعلام والصحافة بفوقية.
٨-لا يتجول بدون مرافقين ومواكب سيارة فاخرة.
٩-رغم الوضع الكارثي في لبنان لا يكترث لما يعانيه الناس كل يوم.
١٠-اذا ما اعترض عليه الناس في الانتفاضات والتحركات في الشارع يعتبر بأن الحزب أو الطائفة المعادية له دفعت بهم نحو ذلك مقابل المال فقط من أجل تشويه صورته وبسبب حسدهم وكراهيتهم له.
فبعد هذا التوصيف، باتت أوجه الشبه واضحة بين ما قدمناه حول شخصية كل من النرجسي والسادي وشخصية زعماء السلطة والطبقة السياسية الحاكمة في لبنان، أي أننا لا يمكننا أن نستثني أي سمة واحدة من سمات شخصية النرجسي إلا وتوافقت مع سمات شخصيتهم خصوصاً في مسألة تفضيل مصالحهم الشخصية على المصلحة العامة ولوم الآخرين دائماً وتحميل المسؤولية لدول الخارج، والنرجسية السياسية غالباً ما يرافقها اضطرابات أخرى مثل السادية كما ذكرنا وقد يصل الأمر بصاحبها إلى «جنون العظمة».
وليس فقط في لبنان، إنما عربياً ودولياً نلحظ أن لكل زعيم سياسي ميول نرجسيّة واضحة ذلك لأن «السلطة» هي المسرح الوحيد الذي يمكنه أن يُظهر من خلاله كل ما في تاريخه الشخصي من جروحات نرجسية ونقص وتنشئة غير سليمة، و بحسب الدراسات النفسية وتحليل علم النفس السياسي فإنّ أغلبية الزعماء ذوي الشخصيات النرجسيّة لديهم تاريخ شخصي مرضي، بينما اذا كان الشخص سليماً مُعافى ومُنِحَت له «السلطة» فلا بد أن يستغلها لخدمة الناس والوطن ويبذل قصارى جهده لتغييره نحو الأفضل.
(أخصائية نفسية)