بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 شباط 2021 12:06ص العنف الأسري.. مشكلة مجتمع أم أحد متحورات «كورونا»؟

معدلات القضايا ارتفعت بعد الوباء بنسبة 96%.. وناشطون يؤكدون: الحل تعديل القوانين

حجم الخط
كثرت في الآونة الأخيرة في لبنان أخبار تفاقم ظاهرة العنف الأسري من خلال تعدد حالات القتل والتعنيف لنساء على خلفيات أسريّة لا تستدعي لا عنفاً ولا قتلاً.. هكذا ولأسباب صادمة قتلت «زينة كنجو» على يد زوجها إبراهيم غزال خنقاً، قبل أن يفرّ إلى خارج لبنان، وتعرّض «لارا. ش» للضرب المبرح والتشويه على يد زوجها أيضاً بسبب خلافات ذات طابع أسري والسلسلة طويلة وتكاد لا تنتهي، فما ذكر من قصص يختصر آلاف القضايا المشابهة، وإذا كانت قوانين الأحوال الشخصية تحمّل عادة وزر ذهاب الأمور إلى نقطة اللاعودة، فثمة من يربط تزايد معدلات العنف في المجتمعات بتداعيات نفسيّة واقتصادية واجتماعية فرضتها جائحة «كورونا»، فهل هذا الأمر صحيح، وما هي الحلول المناسبة؟ 

نسب طلب الخط الساخن
يؤكد مصدر أمني لـ «اللواء» أن الشكاوى وقضايا العنف الأسري ارتفعت بنسبة 96,5% ما بعد جائحة كورونا، إذ أن الإتصالات عبر الخط الساخن كانت حوالي 747 شكوى من تاريخ 12/3/2019 لغاية 20/2/2020 (أي ما قبل جائحة كورونا) في حين ارتفعت هذه النسبة ما بين 21/2/2020 و 1/2/2021 لتصبح 1462 إتصال في غضون 11 شهر، ما يعكس بشكل غبر مباشر ارتفاع هذه الظاهرة خلال الحجر المنزلي وفترة الأزمات التي لا يزال يواجهها المجتمع اللبناني.
ضعف آليات الحماية في الحجر
وفي هذا السياق، ضمن حديثٍ خاص لـ «اللواء» مع الناشطة النسوية حياة مرشاد، تناولت فيه أبرز الأسباب، الّتي لا يمكن إعتبارها مبررات، وأدّت إلى زيادة العنف الأسري وضحاياه في الآونة الأخيرة، تلفت إلى أنّ «واقع العنف اليوم ضدّ النساء، ازداد في كلّ العالم وليس فقط في لبنان، ومن المعروف أنّ وقت الضغوط والأزمات يرتفع منسوب العنف للأسف، أوّلاً بحكم طبيعة مجتمعاتنا الأبوية التي تضعف آليات الحماية للنّساء فيها، وبطبيعة الحال في الأزمات تصبح هذه الآلية أضعف أكثر. فالمرأة المحجورة اليوم في منزلها لا تستطيع التواصل مع العالم الخارجي بسبب وجود الرّجل المعنّف بقربها في معظم الأوقات. ولا شكّ أنّ الضغوط النفسية والإجتماعية، في لبنان خاصّةً، تزيد من منسوب التوتر والغضب عند الأفراد، لكن هذا لا يعتبر مبرّراً للعنف ولارتفاع مظاهره. وفي هذه الظروف تحديداً، يتبيّن للمرأة إذا كان لدى زوجها ميول للعدائية والعنف أو العكس، فمن يميل لهذه الأفعال، كانت بيئة الحجر مجالاً مناسباً له ليمارسها».
حضور الدولة ودور المنظمات
وحول رأيها بإمكانية وجود تقصير بالدّور الّذي تؤديه الجهات المعنية رسميّاً في الدّولة لضبط حوادث العنف، ترى مرشاد أنّ «هناك تقصير يعود للمنظومة بما فيها من قوانين دينية، ورجل أمن يطبق هذا القانون أو قاضٍ ومحامٍ متأثّرين بها أيضاً».
وتسرد مرشاد لـ«اللواء» مثالاً عن «قصّة إمرأة حذرها محاميها من الخطر الّذي يمكن أن تخضع له في حال رفعت دعوى على زوجها رغم تعرّضها للتعنيف لأكثر من 10 سنوات، فقرّرت عندها أن تلتزم الصمت وتتراجع عن حقّها برفع دعوى». فتوضّح هنا أنّ «هذا المحامي الّذي يجب أن يكون المدافع الأوّل عن هذه المرأة هو من تسبّب بسكوتها عن العنف من دون معرفة عواقب صمتها للمستقبل». وتضيف: «أمّا عن قوى الأمن، على سبيل المثال، في حادثة الضحية زينة كنجو التي ذهبت لتقدم شكوى ضد زوجها الذي عنفها ليجيبها رجل الأمن أن مظهرها لا يوحي بأنها امرأة مضروبة، ولاحقاً، قتلت على يد زوجها!» وتشدّد هنا أنّ «من حقّ كل إمرأة عندما تذهب لتقديم شكوى عنف أسري أن يستدعي الأمن طبيباً شرعي لمتابعة حالتها».
وعن دور الجمعيات والمنظمات الّتي تعمل على توعية المجتمع، تفيد مرشاد بأنّ «إحدى أبرز المهام هي الخطوط السّاخنة الّتي تبلّغ عبرها المرأة في حال تعرّضت للعنف، لكن بحسب أخلاقيات التّعامل، المنظمة لا تتدخّل إلاّ بطلب وموافقة من المرأة، وتقدّم الدّعم في مجالات كافّة كالدّعم النفسي، الإجتماعي، القانوني كتوكيل محامي للمرأة دون تكلفة، إضافةً إلى تخصيص دارين آمنين لسكن النساء، وخلال الفترة الأولى من الحجر المنزلي، نفذت طاقتهما الإستيعابية بسبب إزدياد طلب النساء للجوء إليه. أيضاً، تمّ الضغط على القاضي عويدات فأصدر قراراً للإستماع للنساء عبر تقنية الفيديو، لأنّها سهلّت على الكثير منهنّ إذ لا يستطعنَ الوصول الى مراكز قوى الأمن لتقديم الشكوى». وتشدّد «أنّ ما حصل خلال الأيام الماضية مع الزّوجة لارا. ش. يعيد فتح النّقاش في قرارات المحاكم الدينية فيما يخصّ الحضانة والنفقة، ودور المحاكم المتجبّر في هذه المسائل يطرح علامات استفهام حول تأثيرها في التشجيع على إخضاع النّساء».
وتؤكّد ختاماً أنّ «هذه المنظمات يجب أن تلعب دور الوسيط فقط ولا يجب أن يغيب دور الدّولة، إذ أن المنظمة الخاصة أصبحت تتناول ملفات المرأة بشكل كامل أي وبمعنى آخر، لا يجب أن تتقاعص الدّولة عن تأدية مسؤولياتها وضبط السلوكيات منتظرةً عمل الجمعيات فيصعب تحقيق التّغيير». والحلّ الَذي تطرحه مرشاد يكمن «بقانون مدني موحّد للأحوال الشخصية يلغي تعدّد القرارات بحكم القوانين الدينية للأحوال الشخصية أيضاً والتي تحكم بحقّ النساء كرعايا طوائف».
المفتي طالب: لتعديل القوانين والتربية والتوجيه
دينياً، وبدوره يرى المفتي الجعفري أحمد طالب أنّ «لازدياد العنف الأسري، أسباب من جملتها البيئة الشرقية الذكورية الّتي يعيش فيها الرّجل والتي تعطيه سلطة على الأنثى. وهذه تحتاج لإعادة تأهيل وصياغة لبث ثقافة جديدة عادلة في الأسر والعلاقات الإجتماعية. كذلك التفسيرات الدينية المقدّمة بشكل خاطئ ومشوّه تلعب دوراً بإيهام الرّجل بأنّه قوّام على المرأة، ما يحوّل المرأة بنظرهم إلى كيانٍ مطيع لا قرار له أو إستقلالية،» ويرى طالب أنّه «من الواجب إعادة صياغة الخطاب الدّيني بطريقة واضحة تعيد تفسير الآيات والنصوص الّتي تخصّ هذه المسألة، وفي الوقت نفسه يجب إعادة بناء المجتمع للتخلي عن الإستبداد الذكوري عبر التربية والتّوجيه، إضافةً إلى إيجاد قوانين لحماية الثقافة الصحيحة وبالتالي تمنّع الرجل عبر القانون الرّادع عن أي محاولة أذى أو تعنيف، وهذا الموضوع هو من مسؤولية المحاكم الدينية والمحاكم الشرعية من خلال نشر الثقافة الشرعية الحقيقية الَتي لا تعطي للرجل كل هذه المساحة والحرية لاستغلال المرأة وسلب حقّها»، ويشدّد على «وجوب تعديل القوانين المدنيّة أيضاً وليس فقط الدينية كي لا تغطي الممارسات الذكورية مثل قوانين جرائم الشرف الّتي تبرر للرَجل العنف وتستّر عن أفعاله وتخفف من عقوباته».
ويعتبر طالب بدوره «أنّ هذه الخطوات متكاملةً، لا بد أن تؤدي إلى تعديل المناخ وضبط حدة التعنيف الّذي ازداد اليوم مع اشتداد الأزمة الإقتصادية والوضع العام الّذي نعيشه من تفلّت أمني وبالتالي إحساس الرّجل أن لا سلطة رادعة له».
ضرورة التنسيق ما بين الدولة والمنظمات
في حين تنشط اليوم المنظمات والجمعيات الّتي تساعد في الحد من وقوع ضحايا جدد لظاهرة العنف في لبنان، إلى جانب دور الجهات الرسمية الّذي تصفه هذه المنظمات بأنّه «يشهد تقصيراً» وتطالبه بفرض هيبة الدولة، هل يمكن تحقيق تنسيق فعلي ما بينهما لضبط العنف الأسري في لبنان؟ أم أنّ المجتمع الذّكوري الذي تفرضه التفسيرات الدينية الخاطئة سيبقى طاغياً؟ رغم مطلب فئة كبيرة من المجتمع اللبناني ب»قانون مدني للأحوال الشخصية» كي تتساوى حقوق النساء وتُنصف، وكي لا يشهد لبنان مجدداً ضحايا ما تفرضه ممارسات العنف المتفلّتة هذه. الحلول إذاً، باتت ضرورية.