بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 أيلول 2020 12:00ص «اللي استحوا...!»

حجم الخط
شهر مضى على انفجار المرفأ الهائل الذي أحدث زلزالاً كبيراً في العاصمة اللبنانية بيروت لا بل في كل لبنان، لما تركه من آثار وتداعيات وخسائر بشرية ومادية ومعنوية واقتصادية فادحة على البلد واهله لا سيما سكان العاصمة بيروت وجميع المناطق التي تضررت من جرّاء ذلك. وفي حين لا تزال الأعمال جارية حتى اليوم للبحث عن مفقودين تحت الأنقاض والركام في محاولة لانتشال الأشخاص العالقين تحت الردم والأبنية المدمرة مع أمل ضعيف جداً بالعثور على احياء رغم كل المحاولات التي تبذل من قبل الفرق الأجنبية المختصة والجيش اللبناني والدفاع المدني وغيرهم على هذا الصعيد، مزودين بالآلات والأجهزة والكاميرات الحرارية المتطورة وبالكلاب البوليسية المدربة، الا انه لا توجد حتى الآن دلائل حسية وثابتة عن عدد الذين لا يزالون مفقودين تحت الأنقاض أو الذين اخذهم عصف الانفجار نحو البحر، وما بعض المشاهد التي رأيناها على شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي على مدى اليومين الماضيين إلا دليل على مدى التقصير والاهمال من قبل المسؤولين اللبنانيين والمعنيين بعمليات الانقاذ وهذا ما يدفعنا للتساؤل بإلحاح لماذا لا يوجد في لبنان فرق مختصة تُعنى بإدارة الكوارث أو حتى لجان معنية بهذا الشأن لتتابع عن كثب مثل هذه الأمور الخطيرة، وما الذي ينقص هذا البلد لكي يكون لديه مثل هذه الفرق والمعدات الضخمة والمتطورة إضافة إلى الكوادر البشرية المتخصصة بعمليات الانقاذ والبحث والتفتيش عن المفقودين في حال حصول كوارث طبيعية أو غيرها في لبنان - لا سمح الله - وبالتالي متى ستستفيق ضمائر المسؤولين والسياسيين في بلدنا للعمل بجدية واخلاص، والأخذ بعين الاعتبار ما جرى في المرفأ لدفعهم إلى وضع الخطط والبرامج وآلية عمل والتشبه بدول أخرى أتت بفرقها وعناصرها ومعداتها من اقاصي الأرض للمساعدة في البحث والتفتيش عن مفقودين لبنانيين وغير لبنانيين تحت الركام والانقاض، متحملين المشقات والاخطار دون ان يعبأوا بها وهدفهم الوحيد إنقاذ البشر والانسان دون تمييز.

كما لا يسعنا الا ان نطرح سؤالا أخر ايضا وهو مهم جدا: لماذا لا يتم إلغاء مخصصات الرؤساء والمسؤولين من وزراء ونواب حاليين وسابقين على سبيل المثال لا الحصر، وتحويل تلك المخصصات التي لا تخدم الا أصحابها فقط من أجل تأسيس إدارة رسمية تُعنى بمتابعة الأمور الناتجة عن الكوارث وتلك المشابهة لما نتج عن انفجار المرفأ في 4 آب 2020. وغيرها من الأمور التي تشكّل بحد ذاتها خطراً حقيقياً على اللبنانيين جميعاً وعلى ممتلكاتهم وأرزاقهم وجنى العمر، الا انه يبدو ان السياسيين والمسؤولين في لبنان غافلون حتى اللحظة عن كل ما يجري من حولهم وكأنهم يعيشون على كوكب آخر، وهنا لا يسعنا إلا ان نقول لهم: «اللي استحوا ماتوا...».

أضف إلى ذلك ما سمعناه أمس الأوّل عبر عدد من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والسجالات على «تويتر» حول تسرب مادة فيول الطائرات في المطار وما تركه ذلك من ذعر وخوف وهلع لدى المواطنين والمسافرين عبر المطار والعاملين فيه، وقد شكل ذلك بحد ذاته جرس إنذار وناقوس خطر جديد يجعلنا أكثر إلحاحاً بمطالبة المسؤولين والمعنيين بهذا الشأن على أعلى المستويات لكي يتداركوا الأسوأ ويأخذوا بعين الاعتبار ما تمّ ابرازه من وثائق ومستندات ومراسلات بين الجهات الرسمية المختصة من أجل معالجة الأمور مخافة تكرار ما حدث في المرفأ - لا سمح الله - في مرفق اقتصادي وحيوي هام يعتبر ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد اللبناني والخزينة اللبنانية وبوابة لبنان على العالم ومرآته على الخارج.

انطلاقاً من كل ذلك لا بدّ من التأكيد على ان دعم الأشقاء والأصدقاء من سائر دول العالم والمؤسسات الدولية ايضا بالعمل من أجل دعم ومساعدة لبنان لإخراجه من محنته الأليمة والخطيرة على مختلف الصعد يُؤكّد مراراً وتكراراً على ان هذا البلد يتمتع بمكانة كبيرة لدى اصدقائه واشقائه في الخارج، وقد هبّوا لنجدته منذ اليوم التالي لانفجار المرفأ وحضروا وفودا وفرقا وطائرات محملة بالمساعدات الغذائية والانسانية والطبية والمستشفيات النقالة في سبيل الوقوف إلى جانب اللبنانيين في محنتهم هذه متخطين اخطار وباء كورونا وتداعياته الصحية. وهذا ما يجعلنا أكثر تفاؤلاً بأن جميع محبي لبنان واصدقائه لن يتركوه وأن مسيرة اعمار بيروت ستنطلق قريباً لتعود العاصمة اللبنانية منارة مشرقة تضيء بشعاعها المنير على العالم اجمع.