المال الإنتخابي هي العبارة الملطّفة للرشوة الإنتخابية التي تأخذ أشكالا مختلفة للتأثير على الناخبين ومحاولة اصطياد أكبر عدد من الأصوات بطرق غير ديمقراطية لصالح المرشحين الذين يلجأون إلى مثل هذا الأسلوب.
وفي مختلف بلدان العالم، تضع قوانين الإنتخابات سقوفا محددة للصرف الإنتخابي للمرشحين واللوائح المتنافسة للحفاظ على تكافؤ الفرص بين هذه القوى والحدّ من لعب المال دورا مفسدا للعملية الديمقراطية الإنتخابية .
وفي لبنان يضع قانون الإنتخابات سقفا للصرف الإنتخابي، لكن في معظم الأحيان يجري خرقه بطرق عديدة بسبب ضعف الرقابة، والدور المحدود لهيئة مراقبة الإنتخابات التي تكاد تكون هيئة رمزية أكثر مما هي فاعلة وقادرة على ممارسة دور مؤثر في تطبيق ما ينص عليه هذا القانون.
لكن المال الإنتخابي أو الرشوة الإنتخابية في القاموس اللبناني شيء آخر يختلف عن الصرف الإنتخابي، وقد لازم الإنتخابات في لبنان في معظم العهود منذ الإستقلال وحتى اليوم .
وفي كل انتخابات يجري الحديث بقوة عن دور المال الإنتخابي، لكن الطعون الكثيرة التي تقدم كل مرة ضد هذا النوع من الإختراقات والمخالفات الكبيرة للعملية الديمقراطية لم تسفر عن أية قرارات بحق المخالفين ولم تؤد إلى مكافحة أو الحد من هذا العمل.
ويقول أحد الخبراء المتابعين للإنتخابات أن هناك إشكالا وطرقا عديدة لما يسمى بالمال الإنتخابي الذي يعتبر في الحقيقة رشوة تقدم للناخبين مقابل الحصول على أصواتهم.
وفي لبنان جرى رصد وضبط عمليات رشوة في جولات إنتخابية عديدة، لكن هذا الأسلوب بقي يمارس بسبب عدم مواجهته ومكافحته بقرارات قضائية حاسمة.
ولعل أبرز الأشكال «الفاقعة» للرشوة الإنتخابية هو دفع الأموال النقدية مباشرة للناخبين أما عن طريق ما يسمى بالمفاتيح الإنتخابية أم للأفراد والعائلات من خلال الزيارة المباشرة لأعضاء من الماكينات الإنتخابية التي تعمل لهذا المرشح أو ذاك أو لهذه اللائحة أو تلك.
وهناك أيضا رشوة من نوع آخر بأن يتبرع المرشح أو الفريق السياسي بمبالغ مالية لمؤسسات أو هيئات أو نوادي أو جمعيات مؤثرة يمكن أن تعمل لتوفير الأصوات لهذه الجهات.
يضاف إلى ذلك، أن هناك رشوة غير مباشرة يمكن أن تحصل قبل فترة غير قصيرة في موعد الإنتخابات بأن يقدم المرشح أو قوى وأحزاب سياسية مساعدات لأفراد وجماعات على شكل حصص غذائية أو محروقات كما يحصل اليوم خصوصا في ظل الضائقة المالية والمعيشية الكبيرة التي يعيشها اللبنانيون.
وتتنوع أساليب الرشوة غير المباشرة لتأخذ أشكال خدمات عديدة منها صحية وغيرها... خصوصا عندما تقدم في فترة محددة قبل الإنتخابات وتغيب بعدها.
وفي إطار تجاوز الصرف الإنتخابي يلجأ مرشحون وقوى وأحزاب إلى تقديم مبالغ مالية كبيرة لمحطات إعلامية للترويج لهم بشكل يتجاوز كل الإعتبارات والسقوف، الأمر الذي يؤدي إلى حصول هوة كبيرة وعدم تكافؤ فرص بين هذه الجهة والجهات الأخرى.
وتسلك الرشوة الإنتخابية طريقها في الإنتخابات الحالية كما في السابق، لكن الأزمة الإقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعاني منها اللبنانيون وفرت مناخا أكثر لهذه الرشوة لاسيما أن هناك عددا لا بأس به من رجال الأعمال إلى جانب القوى السياسية على تنوعها يخوضون الإنتخابات ويساهمون في رفع نسبة المال الإنتخابي ودوره في الإنتخابات اليوم.
ويتردد أن الصوت يتراوح بين 750 ألف ل.ل ومليونين ل.ل، وأنه قابل للإرتفاع في الربع ساعة الأخيرة من موعد فتح الصناديق للإقتراع.
ووفقا لما ينقله بعض المواطنين في مناطق عديدة فإن عمليات الدفع مقابل الأصوات بدأت منذ فترة غير قصيرة بحجة تقديم مساعدات مالية شهرية للفقراء وأصحاب الدخل المحدود كما أن مرشحين ورؤساء لوائح بادروا منذ أسابيع إلى توزيع أموال للعائلات والأفراد في المناطق التابعة للدوائر الإنتخابية التي يخوضون فيها معاركهم.وكما حصل في مرات سابقة فإن هناك من يلجأ إلأى دفع مبلغ معين لعدد من الناخبين، ويعدهم بعد التصويت له بدفع مبلغ مماثل.
وقد حصل أن تمنّع بعضهم عن الدفع بعد الإنتخابات خصوصا أولئك الذين لم يحالفهم الحظ بالفوز.
وما يثير الإستغراب والإستهجان أن هناك الكثير من العمليات تجري بشكل سافر ومكشوف، ومع ذلك فإن الهيئات الرقابية الرسمية والأهلية والدولية لم تتمكن من الحدّ من هذه العمليات التي تشوّه العملية الإنتخابية الديمقراطية في لبنان.
وإذا كان هناك نسبة كبيرة من اللبنانيين باتوا اليوم في حالة فقر أو دونه، لكن الرشوة الإنتخابية تعتبر علامة سوداء في الإنتخابات اللبنانية، وهي في كل الأحوال لن تساعد الناخبين الذين يتلقون مثل هذه الرشوة على تحسين ظروفهم ولن تكفيهم سوى لبضعة أيام، ما يعني أن صوتهم سيذهب رخيصا في صندوق الإقتراع.