كيف لا وبيروت لم تعد بيروت شوارعها، زواريبها, محالها كلها فقدت الملامح وتشوهت لأنها باتت وللأسف مرتعا للنفايات...
والمضحك المبكي, أنك عندما تقوم بمبادرة إيجابية لإعادة الوهج الحضاري للعاصمة يكثر الكلام وتبدأ التأويلات من هنا وهناك...
«كثيرين الحكي» بلا طعمة ليأخذونا بحلمهمهم ومن يريدون التهجم على الناس الغيورة على مدينتها ليأخذونا بحلمهم أيضا, لأن بيروت ليست مرتعا للنفايات ولا للدعارة ولا لقلة الحياء ولا للنكاشين, وهي لم يعد باستطاعتها أن تتحمل أكثر من «القرف» الذي تحمله.
هذه المواطنة الموجوعة تعلم تماما أنها بعد هذا الحوار ربما ستُهاجَمْ من الجميع، لكنها أيضا تدرك أنه الأوان كي نطلق صرخة مدوية من قبل الجميع بدءا من المحافظ وأعضاء بلدية بيروت ووزير الداخلية والوزارات المعنية والجيش اللبناني والرؤساء الثلاثة وكل القيمين والمسؤولين عن العاصمة، لأنه في حال لم يتخذ قرار سياسي صارم بوضع حل لهذه الآفة: آفة التسول والدعارة، خصوصا عندما نعرض بنات أطفال بعمر الزهور على السيارات المارة والنكاشين،وإلا فعلى الدنيا سلام.
هي تتساءل :هل على الأحياء أن تطبق الأمن الذاتي لهذا الشارع كي يختلف مع ذاك الشارع؟ لنكون بمصيبة فنصاب بأكبر منها؟
عجوز
للإجابة على كل هذه الأسئلة ولمعرفة صدى المبادرة التي قامت بها مع عدد من الجمعيات في مقدمتها جمعية المقاصد الإسلامية, وعدد المنظمات الغير حكومية والمتطوعين لتنظيف مدينتنا بيروت, بهدف إعادة الوهج لها والفرحة إلى شوارعها, التقت «اللواء» هذه المواطنة التي رفضت ان يكون لها أي لقب غير لقب «المواطنة الموجوعة», علما أننا إن أردنا ان نعدد ألقابها فهي عديدة وترفع لها القبعة, إنها باختصار رولا العجوز, فيما يلي نص الحوار:
{ مؤخرا أطلقت العديد من الصرخات لتنظيف مدينة بيروت, كما قمت مع عدد من المتطوعين بتنظيف العاصمة؟
- ابتدينا كجمعية مقاصد عملنا على موضوع النفايات يوم الـ4 من آب, أي في اليوم الذي حدث فيه الإنفجار. كان الإجتماع في منزلي مع عدد من مسؤولي المتطوعين والكشاف في «الجمعية».
في المقابل كنت قد أجريت لقاءات مع عدد من شخصيات البلد والدكاترة والمحامين وغيرهم...كلها تتمحور حول ضرورة المبادرة لتنظيف مدينتنا، فليس عيبا أن نكنس محلاتنا وشوارعنا. انطلاقا من ذلك, قمنا بحملة تنظيف تعاونا فيها مع المنظمات الغير حكومية وآخرين من كافة الأحياء والطوائف, وذلك تحت عنوان: «مكنستنا كرامتنا».
وكل أسبوع، فرد منا يحمل مشعل المكنسة وينظف أمامه, ولاسيما أننا كنا نرى النفايات أينما التفتنا، سواء أمام الأبنية أو المدارس أو المستشفيات أو المحلات التي لم يهتم بدورهم أصحابها بالتنظيف أمام أرصفتهم.
أثناء عملية التنظيف
وقد كان لدينا دعم مادي من رئيس جمعية المقاصد الإسلامية د.فيصل سنو, وكما تعلمين أنني عضو مجلس أمناء في الجمعية, ومن خلال هذا الدعم تمكنا من شراء المعدات اللازمة للقيام بعملية التنظيف.
لكن في خضم كل هذه التحضيرات, للأسف حلت الكارثة, وحصل إنفجار المرفأ، وبعد الإنفجار بيوم واحد كنا من السبّاقين الذين نزلوا بكثرة وبتنظيم ومناقبية إلى منطقة الجميزة حيث أهلنا في بيروت الذين توجعوا وتدمر لهم الكثير وسقط لهم ضحايا «بدموع العينين».
{ متى استأنفتم العمل؟
- بعد ان تأجل المشروع, عدنا واستأنفنا العمل منذ 5 أشهر. وهنا يهمني أن أؤكد أننا كجمعية مقاصد لسنا بصدد أخذ دور البلدية ولا مكان الدولة, لكن هناك مشكلة في البلد وجميعنا كنا على يقين بأننا سنصل إليها، وذلك بسبب الضعف المادي والمتعهدين الذين كانوا قد وقعوا الدولارعلى سعر 1500 لذلك هم لم يكملوا ما كان متفقا عليه للعاصمة. انطلاقا من ذلك, كان يجب أن نعوّد أهلنا على تنظيف مدينتهم، فنأتي إلى صاحب المحل الذي نكنس أمام محله ونقول له إن أردت أن تساعدنا أكمل التنظيف قرب دكانك لنتمكن من الإنطلاق لشوارع أخرى وتنظيفها، وذلك لنشجع الخدمة المدنية والمواطنة الصحيحية في المدينة ككل.
وهكذا, ابتدينا بالتكنيس بداية أمام منزلنا، فنحن لسنا بصدد أي تقسيم وليس لدينا أي هدف سوى إعادة الصورة الجميلة عن مدينتنا.
بدأنا بالتنظيف قرب مدرسة خالد بن الوليد حيث يضعون المأكولات بشكل عشوائي ومقزز لطيور الحمام...
وكل أسبوع كان لدينا لقاء بمكان معين, إلى أن أقمنا مهرجان الحمرا الكبير بالتعاون مع جمعية «حسن الجوار» في الجامعة الأميركية وعدد من المنظمات غير الحكومية من رأس بيروت، إضافة إلى الباحث وارف قميحة.»
{ كيف كان صدى المهرجان؟
- تحول المهرجان إلى هيصة كبيرة، لأننا أردنا أن يفرح كل المشاركين والمتطوعين بهذا المهرجان والفكرة أن يعملوا لبيروتهم وهم فرحون بعاصمتهم.
في نفس الوقت, ألإعلام الإيجابي حول تنظيف منطقة الحمرا جعل المسؤولين بدءا من المحافظ القاضي مروان عبود إلى البلدية أن يتصلوا بنا ليقولوا لنا أنه آن الأوان أن نوزع عناصر حراس البلدية لمراقبة ما يجري على الأرض وتسجيل المحاضر بحق المخالفين.
هذا ما حصل، وقد اكتشفنا مسألة هامة لأول مرة, أنه مثل ما هناك حرائق مفتعلة في لبنان هناك عمل مفتعل في لبنان لتغيير هوية هذه المدينة.
لأن هؤلاء النكاشين هم عبارة عن عصابات مدعومة. ستقولين لي لم هي مدعومة؟
اليوم أنا بنت المدينة كما أنت بنت المدينة سواء كنا من أبناء هذه المدينة أو سكانها, فنحن نعشق هذه العاصمة.
وبالتالي, عندما نتوجه إلى المخافر للقيام باللازم تجاه هؤلاء النكاشين نرى أنه بعد ساعة يخرجون أقوياء أكثر مما كانوا، أحدا لا يقترب منهم؟
لذلك, فليفسر لي أحد كيف أنهم غير محميين؟
عندما أضع صورا على «الفايسبوك» بمكان لأحد من الفاعليات الحزبية في المدينة وآخر يجمع هذه الأكياس الذي يخرجها النكاشين وأحدا لا يقترب منه لأنه لديه سوابق فأنا وغيري ماذا باستطاعتنا أن نفعل كمواطنين في بيروت ؟»
{ هل أجريت لقاءات مع شخصيات معينة للإضاءة على هذه القضية؟
- طبعا، كما حرصت أن أقوم بزيارة لغالبية رجال الدين وأجتمعت معهم وتحدثنا سويا وقد اكدت لهم بأن هوية بيروت تتغير, فيقولون بأن اللاجئين والمتسولين في الشوارع والنكاشين أكيد «معترين», فأقول لهم بأن «المعتر» لدرجة أن يجلس بداخل حاوية النفايات ويتنشق كل ذلك أشرف له أن يكون في بلده حيث بإمكانه أن يزرع فيها وأن يأكل وأن يعيش حياة كريمة بدلا من التنقل بين الحاويات».
{ أشعر بداخلك نبرة من العتب؟
- أخلاقنا كلبنانيين مسلمين ومسيحيين، أخلاقنا كلبنانيين من جميع الطوائف، أخلاقنا كبشر نخاف على الإنسانية العالمية كيف نحضن الناس التي تزوج أو لا تزوج بناتها على عمر 12 و 13 سنة وولد وراء ولد.. ليستعملوا هؤلاء الأطفال كأداة لجمع المال؟ أليس هذا إجراما بحق الإنسانية وبحق صورة بيروت؟
وإذا لا سمح الله كان هناك مواطن لبناني ينكش في النفايات, أليس هذا دليل بأن المسؤولين هم المجرمين؟ نحن لدينا مؤسسات وجمعيات ومنظمات غير حكومية مفروض أن تدعم اللبناني لا أن تدعه يتسول بالشكل الذي يتسول فيه؟
أي كان إنسان زائر من الخارج أو لبناني ينكش في النفايات فهذا أمر غير مقبول إطلاقا».
{ طالبت مرارا بأن تتحمل البلدية مسؤوليتها؟
- أنت تعلمين بأن لدي الكثير من الأصدقاء في المجلس البلدي. لكن عندما أصرف الله أعلم 30 مليون دولار أو أكثر على سوق الخضار في منطقة صبرا، انتهت الأعمال فيه منذ 5 سنوات وهو لا يزال مقفلاً لأن البلدية بانتظار إفتتاحه؟
كيف أصرف أموال بهذا القدر ولا أنتبه لأمور أكثر أهمية ؟
كيف لا أقهر عندما لا أقدم المال اللازم لفوج الإطفاء ؟
ندفع كل هذه المبالغ على سوق للخضار أو على نفق مضخم السعر فيه....بينما كان باستطاعتنا أن نوزع هذا المال بشكل ربما أفضل وأسلم لمدينة بيروت.»
{ هل صحيح أنه تم الإتصال بك من قبل المحافظ بعد مهرجان الحمرا؟
- صحيح, تم الإتصال بي من قبل مكتب المحافظ بعد مهرجان شارع الحمرا, وقد اجتمعت بأحد المسؤولين في مكتبه والحقيقة أنه كان من خيرة الناس.
وقد قال لي لقد رأينا ما قمتم به في شارع الحمرا ونحن نرغب بأن نكرر هذه التجربة لبيروت, وفعلا اجتمعنا مرارا وقد أكد لي أن المحافظ يعدّ الجميع أنه سيعلن في 7 تشرين الثاني أن الحرس البلدي الذي يبلغ عددهم ما يقارب الـ600 شخص سيتوجهون لوضع حد للنكاشين من خلال تسجيل محاضر الضبط لهم ولكل من لا يراعي النظافة أمام محله, وهكذا كان وقد توسمنا خيرا بهذا الوعد. وأنا ألاحق الموضوع وأقول شكرا عند اللزوم وأقول «مش شكرا «عند اللزوم أيضا».
{ البعض يعتقد ان كل ما تقومين به هو لأهداف انتخابية؟
- أعلنت وأوضحت مرارا وتكرارا أنني لست بصدد الترشح للإنتخابات، ولا يهمني الموضوع لا من قريب أو من بعيد، وبالتالي نحن لا نعمل مقابل أي هدف, همنا الوحيد المحافظة على هوية المدينة.»
{ ما تعليقك على الجولة التي قام بها المحافظ في شارع الحمرا؟
- صدقيني فرحت جدا عندما علمت أن المحافظ نزل إلى شارع حمرا وقام بجولة مع الحرس البلدي لمدة 4 ساعات، وأجرى اللازم تجاه النكاشين.
لكن للأسف, اليوم أتفاجأ من خلال صور أرسلها لي المتطوعون عن شوارع كنا قمنا بتنظيفها أنها عادت لتمتلىء بالنفايات والحقيقة أنه عند رؤيتي لهذه الصور جنّ جنوني.
لذلك أقول, من ليس باستطاعته القيام بمسؤولياته فليستقِل، لقد قام المحافظ بعمل جبار في شارع الحمرا لكن بيروت لا تقتصر على شارع الحمرا.
كما ان بيروت لا تستطيع أن تكتفي بجهد وعمل أبنائها فقط، لذا على الحرس البلدي أن يقوم بعمله وأن يسجل المحاضر بحق المخالفين.»
{ هل من سؤال تودين طرحه؟
- نعم, هل هناك أحد من الإعلاميين خطر على باله أن يكشف في البلدية أو غيرها عدد الشقق التي تم بيعها؟ كلها تباع «بتراب المصاري».
اليوم, جميعنا أصبحنا فقراء, الفقير والغني، والفقير بات أكثر فقرا هو يبيع كليته ومنزله وبلكون بيته «ببلاش» كي يهاجر وينقذ اولاده.
أليس هذا تغييرا ديمغرافيا ؟
من يشتري؟ ومن لديه دولار «كاش»؟ ومن الذي لا يحمل همّ أمواله في المصارف؟
ليعرف القارئ من الذي يشتري المنازل من الموجوع والمحروق والذي لا يعلم ماذا يفعل لإنقاذ مستقبل أولاده؟
شقق بيروت تباع، لأن العالم بغالبيتها تود أن تسافر, وأكبر مثال شارع الحمرا فإن أردت ارتياد المطاعم نصفها أٌقفل في مقابل رائحة البول والبراز البشري المستشرية؟
من يرسل أولاده لشارع الحمرا في ظل تواجد النكاشين والمتسولين وغيرهم...؟
أما إن أردنا ان نقول أن النكاش «معتر» وهو يأخذ النفايات ليبيعها ويقوم بتدويرها، عظيم ليأخذ من المستوعبات كل ما يريده, لكن هل باستطاعتي أن أفهم لم كل المستوعبات في الشوارع الرئيسية ترمى على الأرض؟
الجواب بسيط لأن الذي ينكش النفايات ومن يدفع له المال يقول له «قرف» العالم من عيشتها» لتطفش» من مدينتها».