بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 آب 2020 01:10م تاريخ هجرة اللبنانيين منذ النشأة الى الإنكفاء في فترة رفيق الحريري.. وصولًا الى ذروة «زلزال 2020»

المؤرخ الدكتور حسان حلاق يعدّد لــ«اللواء» مراحل وأسباب الهجرة اللبنانية

تمثال المغترب اللبناني قبالة مرفأ بيروت بعد الإنفجار تمثال المغترب اللبناني قبالة مرفأ بيروت بعد الإنفجار
حجم الخط
نال انفجار مرفأ بيروت التاريخي من آلاف اللبنانيين ومن أرزاقهم وبيوتهم، قسى على وجه المدينة ومعالمها، إلا أن تمثال «المغترب اللبناني» بقي واقفًا شاهدًا على «جريمة العصر»، الجريمة التي ستحمل مئات آلاف اللبنانيين الى خارج الحدود مجددًا لينضموا الى ملايين سبقوهم.

ليست الهجرة اللبنانية بقضية جديدة، بل هي حتمًا متجددة، ولكل حقبة من تاريخ لبنان نصيب، عمرها من عمر هذا التاريخ، إلا أن اولى الهجرات في العصر الحديث بدأت من جبل لبنان عقب الفتنة الشهيرة بين المسلمين والمسيحيين في الشام عام 1860 (في لبنان كانت بالأساس بين الموارنة والدروز).

كانت وجهة المهاجرين الأوائل القارة الأمريكيّة، وامتهنوا التجارة بدلًا عن الزراعة، عُرفوا في البرازيل بالـ Mascate وفي الولايات المتحدة الأميركيّة بالـPeddler أو ما أطلق عليهم اسم "تجَّار الكشّة" (والكشّة هي كلمة برتغالية وتعني الصندوق أو الشنطة). والمفارقة أنه من بين نسل هؤلاء البسطاء خرج مليارديرات عدة منهم أغنى رجل في العالم خلال العقد الأول للقرن الـ21 رجل الأعمال المكسيكي من أصول لبنانية كارلوس سليم.

لم يحدّد بدقة العدد الفعلي للمهاجرين اللبنانيين، ففي حين تقول بعض الإحصاءات أن العدد الإجمالي يتخطى الـ 12 مليون مغترب ليصل الى 15 مليون، تشير دراسات أخرى الى أن العدد الإجمالي لكلّ المغتربين اللبنانيين، بمَن فيهم المتحدّرون من أصل لبناني، يقارب رقم الـ7 ملايين في نهاية عام 2018. وتؤكد الأرقام أن عدد المغتربين ارتفع بشكل كبير منذ أوائل 2019، واليوم في 2020 «الكارثية»، نحن أمام واقع جديد للهجرة قد يطال مئات آلاف المهاجرين الجدد.

في قراءة لتاريخ الهجرة اللبنانية، عدّد المؤرخ الدكتور حسان حلاق، في حديث مع اللواء، مراحل وأسباب هذه الهجرة، التي بدأت كما ذكرنا في العام 1860، من جبل لبنان، وأكد حلاق أنه وعلى الرغم من انشاء متصرفية جبل لبنان عام 1864، والتي تميزت حقبتها بالاستقرار والسلام لغاية العام 1915، إلا أن هجرة اللبنانيين استمرت نتيجة الأوضاع الإقتصادية السيئة التي سببتها فتنة 1860.

وأفاد حلاق أن مهاجري تلك الفترة، لا سيما المسيحيين منهم، اختاروا مصر وجهة لهم، وحينها كانت تخضع مصر للاحتلال البريطاني، أما مهاجري فترة الحرب العالمية الأولى (1914/1918) فتوجهوا الى ما كان يعرف بالأميركيتين، مشيرًا الى أن الهجرة خلال تلك الحرب بدأت تتزايد، وكانت الأسباب حينها سوء الأوضاع الإقتصادية والأمنية والسياسية والعسكرية.

فترة الإنتداب الفرنسي وما بعد الإستقلال
عقب انتهاء الحرب العالمية الاولى عام 1918، ودخول فرنسا الى لبنان في الفترة الممتدة من عام 1918 الى عام 1943، استمرت الهجرة كما لفت حلاق، إلا أنها استمرت بنمط معتدل، ليس كما كانت في عهد المتصرفية، أو في فترة الحرب العالمية الأولى، بحيث حصل عدد كبير من المقيمين في لبنان على مساعدات من أقاربهم المهاجرين الى الأميركيتين.

وبعد الإستقلال، أصبحنا أمام نوع جديد من الهجرة، خصوصًا في فترة ما بين الخمسينات والسبعينات، حيث توافد عدد كبير من أهل الجنوب اللبناني الى أفريقيا، وبذلك استطاع أبناء الجنوب (أبناء جبل عامل) أن يحسنوا أوضاعهم وأوضاع مناطقهم.

الهجرة القسرية (حرب 1975)
دفعت الحرب الأهلية اللبنانية الممتدة من عام 1975 الى عام 1990، بشباب لبنان الى التوجه هذه المرة الى مناطق الخليج العربي (السعودية، الإمارات، الكويت، قطر).

وأشار الدكتور حلاق الى أن هذه المنطقة بدأت باستقطاب اللبنانيين منذ الخمسينات ومن كافة الطوائف، بسبب تدفق النفط، وهي ما سميت بالهجرة العاملة، إلا أن فترة الحرب اللبنانية أيضًا شهدت هجرة الى أوروبا وسوريا ومصر وأميركا وكندا والبرازيل.

وأفاد أن أبناء عكار تحديدًا حينها رحلوا الى أستراليا، التي تستضيف جالية لبنانية وازنة، وأيضًا بنسبة أقل الى كندا.

مرحلة رفيق الحريري وما بعدها
عاصر الدكتور حلاق فترة ما بعد الحرب الأهلية التي كان عنوانها السياسي في لبنان الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وعنوانها الإقتصادي إعادة الإعمار وتفعيل القطاعات المنتجة.

وأشار الى أن تلك الفترة التي بدأت عمليًا عام 1992، كانت فترة استقرار أمني وإقتصادي، مما قلّل نسبة الهجرة بشكل كبير، أما بعد اغتيال الرئيس الحريري عام 2005، عاد الشباب ليفكر بالهجرة وعادت الأرقام لترتفع بشكل سنوي.

ولفت الى أن آلاف الشباب الذين علّمهم الحريري في الخارج في فترة الحرب، عادوا في فترة اعادة الإعمار للمشاركة بالنهضة العمرانية والإقتصادية في لبنان حينها، إلا أن عدد كبير منهم عاد وغادر لبنان بعد جريمة 14 شباط 2005.

مرحلة جديدة تكتب اليوم
بعد انفجار مرفأ بيروت الكبير، نسمع يوميًا أن شباب لبنان يتجهون بأعداد كبيرة الى خيار الهجرة، فالأرقام تشير الى أن عدد الطلبات في السفارات تفوق الـ 380 ألف طلب قابلة للزيادة.

وأمام هذا الواقع الجديد، اعتبر حلاق أن هذه الهجرة اليوم ليست كسابقاتها، فنتيجة وضع وباء «كورونا»، في لبنان والعالم، فمجالات العمل ليست متاحة كما كانت قبل الوباء، فالمهاجرين الجدد يتجهون الى أقاربهم وأصدقائهم في بلاد الإغتراب، وذلك بحثًا فقط عن الأمان الإجتماعي والإستقرار والأمن المتوافر في أوروبا أو الولايات المتحدة الأميركية وغيرها.

أما عن التخوّف من التغيّر الديمغرافي، بفعل هجرة أبناء طوائف معينة أكثر من غيرها، لفت حلاق أنه وفي العودة الى «حرب الجبل»، حيث الأكثرية المسيحية والدرزية، لم نجد أن المسيحيين احتلوا مناطق درزية أو العكس، واليوم نجد أن أهالي المناطق المتضررة متمسكون أكثر بمنازلهم ومناطقهم، مثل ما تمسك أهالي بيروت ببيوتهم في الحرب الأهلية، وتاليًا لن يغيّر أحد وجه بيروت الحضاري والديمغرافي حتى لو نشطت الهجرة مجددًا.