بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 كانون الأول 2020 12:01ص رفع الدعم أو عدمه.. اللبناني بين الرعب والجوع

شهادات عن عائلات تحت خط الفقر.. والسلطة تدير الأذن الطرشاء لناقوس البنك الدولي

مشهد مألوف  في شوارع العاصمة مشهد مألوف في شوارع العاصمة
حجم الخط
في شهر حزيران الماضي، نشرت صور  لثلاجات بيوت عائلات لبنانية من مناطق مختلفة، فارغة من أيّ شيء سوى القليل جداً مما لا يسدّ الجوع أو يمنع الحاجة، وكانت تلك الصور كافية للدلالة عن المستوى الذي وصلت إليه الأوضاع المعيشية والحياتية لشريحة واسعة جداً من الشعب. تلك الصور وغيرها من التقارير الدولية التي تحدثت عن تخطى نسب الفقر كل مستويات المنطق لم تحرك في المسؤولين أي إحساس للتحرك باتجاه إنقاذ ما يمكن إنقاذه فاستمر الانهيار نحو قعر الهاوية. 

اليوم، يتواصل النقاش في الحكومة «المستقيلة»، وفي مجلس النواب مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حول استمرار دعم المواد الأساسيّة، وكان سلامة استبق هذه الاجتماعات بالقول «لدينا إمكانية للبقاء على الدعم لمدة شهرين، وعلى الدولة أن توجد حلاً»!! أي قبل المسّ باحتياطي المصرف المركزي الإلزامي، بمعنى أدق ما تبقى من أموال المودعين. وفي الانتظار، لا حكومة، الفراغ حاكم، الفساد مستشري، والبلد في عزلة، ومستويات الفقر في ازدياد، والشعب ينتظر المجهول. 

أرقام مرعبة.. نصف الشعب تحت خط الفقر

هنا تحضر أسئلةٌ كثيرة حول مصير الشريحة الأكبر من المجتمع اللبناني، شريحة الفقراء، في ظل الأزمة الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية، فإلي أي خيارٍ ستلجأ السلطة، إبقاء الدعم أم رفعه، خصوصاً مع تدني قيمة العملة وارتفاع مستويات البطالة والفقر، وقد سبق للبنك الدولي أن أطلق صرخةً في تقريره الأسبوع الماضي، وليس هو فقط بل الخبراء الماليين يرون في سياسة الدعم باباً للسياسات الخاطئة من جديد وللهدر والفساد. 

في تقريره الأخير الذي صدر في الأول من كانون الأول الجاري، كرر البنك الدّولي مؤشرات العجز في النمو الاقتصادي وإزدياد نسبة الدّين العام، وانتقد السّلطة وسياساتها الخاطئة إذ «كان تقييم الجهات المعنية للأزمة وإقتراحهم حلولاً لها، غير منسّقٍ وغير كافٍ، وهذا كلّه أدّى الى زيادة الأزمة. وتؤكد نتائج التّقرير أنّ «الطبقة الوسطى في لبنان تكاد تزول، ليصبح من كانوا من ذوي الدخل المحدود معظمهم تحت خطّ الفقر»، وإحتمالية تراجع نمو إجمالي الناتج المحلي الفعلي إلى 19.2- في المئة خلال العام 2020 ويجزم بأنّ أكثر من نصف سكان لبنان سيصبحون تحت خطّ الفقر بحلول 2021.

«شبكة الأمان الإجتماعي»

من جهته، يرى وزير الإقتصاد الأسبق سامي حدّاد وسؤاله عن رأيه بتقرير البنك الدولي وبالسجال الذي يدور ما بين الأوساط كافة حول سياسة الدعم، يرى بأنها «سياسةٌ خاطئةٌ منذ البداية، فالدعم موجودٌ على الكهرباء ويستفيد منه الغني أكثر بكثيرٍ من الفقير مقابل الضريبة ذاتها، وكذلك الأمر نسبةً للسوق الإستهلاكية، إذ يجب أن يكون هدف الدّعم أولاً مساعدة محدودي الدخل وليس الغني والفقير في آنٍ واحد في وقتٍ تفتقر فيه الدولة للموارد الكافية، عدا عن أن هناك الكثير من البضائع المدعومة باتت تهرّب». وعن الحلول البديلة، يضيف حداد: «تأخروا كثيراً إذ أن البديل الّذي بدأوا بالعمل عليه والذي آمل أن يكون متوفراً خلال ثلاثة إلى أربعة أشهرٍ هو بـ «شبكة الأمان الإجتماعي»، وتقوم على توزيع مساعدات نقدية أو بونات (بطاقات) لذوي الدّخل المحدود»، منوهاً ب، «بدء المفاوضات بين الدّولة والبنك الدّولي حول هذا الموضوع، لأنّه يستطيع المساعدة بطريقتين، مساعدة الدولة في المسح والإحصاء لأعداد ذوي الدّخل المحدود والفقراء، والثانية استعداده لتسليف الدّولة مبلغ كبير جداً وبفائدة تساوي 1% أو 0%  لمدّة عشرين سنة لأن هذه الشبكة تحتاج إلى تمويلٍ.» مشدداً في الختام على «ضرورة الإسراع بإيجاد الحلول البديلة والقيام بالإصلاحات المناسبة.»

شهادات - صرخات 

تضخ حكايا الناس عن حالات اجتماعية كثيرة باتت معدمة، أو في حاجة شديدة. في قصص هؤلاء ما يعني عن أيّ نقد للسلطة وخططها الفاشلة، ومن هذه الشهادات نذكر: 

تتحدّث «غ. ص» عن تبدّل حال عائلتها بعد الأزمة الاقتصادية، تقول: «كنّا عايشين على قدنا»، جملةٌ تكرّرها أغلب العائلات مع الصعوبات المعيشية الّتي يمر بها البلد، وتؤكّد بأنّ ما غيّر أحوال النّاس من «المستور» إلى ما دون الفقر هو الأزمة الاقتصادية الراهنة. زوج السيدة، وهي من البقاع الغربي يعاني من مرض السّكري ويعمل سائقٍ لحافلةٍ مدرسيّةٍ، وهي تشتكي صعوبة تأمين الدّواء لزوجها «فبحكم الأزمة الإقتصادية وجائحة كورونا، توقّف عمل زوجها الّذي قارب أواخر الخمسينات، وبأنّها قامت بمساعدته بعد توقف عمله عن طريق بيع المونة والثياب والعطور لتأمين معيشتهم». 

عائلة لبنانية تسكن في منطقة الدّورة، مكوّنة من أمّ تعيل أولادها ووالديها، بحكم أنّها مطلّقة، تقول: «تواصلت مع جهات كثيرة طلباً للمساعدة، ولكن المساعدات تقتصر على الحصصٍ الغذائيّة، فيما المسؤوليات كثيرة، سعر دواء أبي يبلغ 300 إلى 400 ألف شهريّاً، ومصروف الأولاد والمنزل، وأنا عاطلة عن العمل بعدما كنت أعمل في محلٍ صغير لأستر نفسي وعائلتي، حاولت تقديم طلبٍ إلى «اليونيسيف «UNICEF للحصول على مساعدات، ولكن أعداد من تقدّموا بطلبات كبيرة جداً».

أمثال هذه السيدة وعائلتها كثر. ومثالٌ عن حالةٌ إنسانية أخرى قلبت أحوالها هذه الأزمة، «أ.ك» الذي يسكن في برج حمّود والمتزوج منذ عامٍ، يعمل مندوباً في شركة مبيعات ويتقاضى نصف راتب لا يكاد يؤمن نصف إحتياجات طفلته المولودة حديثاً، يقول: «قصدت العديد من الجهات طلباً للمساعداتٍ لكي أكتفي أنا وعائلتي، لكن لا جدوى حتى الآن»! لسان حال هؤلاء يوصل لنتيجة أنه في حال بقي الدعم أو رفع، لا سيولة في أيديهم للتغلب على الغلاء والاجتياحات المتزايدة.

حال الفقراء «لا يوصف»

من جهتها، تصف المتطوعة الميدانية في إحدى الجمعيات لمساعدة العائلات التي تعاني من صعوباتٍ معيشيةٍ، ريف شعبان لـ «اللّواء» حال العائلات التّي  زارتها في كلٍّ من منطقة البسطة، الخندق الغميق، برج حمود بأنّه «لا يوصف»، وهذا يشمل «أماكن السكن، ظروف المعيشة، تأمين ضروريات الحياة». وتتابع: «صادفنا عائلةً تعيش في منزلٍ بدون سقف، ولا تستطيع تأمين أدوية عادية لمرضاها أو حصّة طعامٍ!» وتضيف: «هؤلاء تعتريهم سعادةٌ عارمةٌ عندما نقدم لهم المساعدات، ولو كانت بسيطةً للغاية كالمواد الغذائية مثلاً.» وتؤكّد أيضاً أنّ «إنفجار بيروت، منفصلاً عن الأزمة، أدّى إلى إفقار عائلاتٍ كثيرةٍ أيضاً بعدما تدّمرت بيوتهم التّي كانت مأواهم الوحيد أو آخر ما يملكون قبل حلول الأزمة الإقتصادية التي شلّت قدرتهم على تأمين لقمتهم».

هل يتجدد الغضب الشعبي؟

كالعادة، يطل حاكم مصرف لبنان، الحاكم «بأمر الدولار»، للحديث عن الوضع المالي في لبنان ويلقي على الشّعب تصريحات مكرّرةٍ، وخصوصاً سؤاله قبل أيام «ألا يوجد في البلاد غير مصرف لبنان؟»، وكأنّه يتملص من تحمّل ما نتج عن سياساته المالية الّتي أوصلت البلد والشعب إلى هذه الحال، وسط انعدام سياسات إجتماعية واقتصادية يؤمن الاستقرار الاجتماعي وتحمي الفقراء ومتوسطي الحال من تداعيات الأزمة المالية والمعيشية. وما بين سياساتٍ خاطئة وفاشلة وخطر الفقر المدقح، يقع المواطن اللبناني رهينةً لتلك السياسات مطالباً باستقرار حاله، غير واثقٍ بالمنظومة الحاكمة وغير عالمٍ بأنّ الخطط التّي يجب أن توجد لإنقاذه من أزمته، نفسها غير عادلةٍ بحقّه، وبذلك تكبر وتستمرّ دوامة المعاناة... فهل سيكون قرار رفع الدعم النقطة التي سيفيض معها غضب الناس وتشعل ثورة شعبية جديدة تستكمل ما بدأه الشعب في 17 تشرين 2019؟