بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 أيلول 2020 12:00ص زاد الخير وناطورة المفاتيح

ازدحام في قاعة المغادرة في المطار ازدحام في قاعة المغادرة في المطار
حجم الخط
حزموا أمرهم جيداً كما حقائب السفر وهمّوا بالرحيل.. ظاهرة ملفتة في لبنان تؤكد مرة جديدة بأن المرارة واليأس والإحباط سيد الموقف نتيجة ما حدث وما يزال يحدث في هذا البلد، مما  جعل الكثير من العائلات والأسر اللبنانية شيباً وشباناً يتخذون القرار الصعب بالهجرة الى بلاد الله الواسعة، مهما كلف الأمر، تاركين وراءهم ممتلكاتهم وارزاقهم وجنى العمر، اضافة الى الذكريات التي ستبقى وحدها تشدهم للعودة الى هذا الوطن في يوم من الايام.

فالمشهد على ابواب قاعة المغادرين في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت يختلف في هذه المرحلة عن غيره من الصور، اما الحجوزات المسجلة على متن الرحلات الجوية التابعة لشركات الطيران العاملة في المطار من وطنية وعربية وأجنبية تكاد تُبرز بوضوح مدى خطورة ما آلت اليه الامور على صعيد قرار السفر من لبنان الى الخارج.

ولا تكاد إحدى العائلات او احد افرادها يتلقى إشعاراً او جواباً من هذه السفارة او القنصلية او تلك، عن قبول طلبهم للهجرة اليها او للعمل فيها او متابعة الدراسة هناك خاصة في الولايات المتحدة الاميركية وكندا وبعض الدول الاوروبية كفرنسا وبريطانيا والمانيا وغيرها، حتى ينتابهم شعور تختلط فيه مشاعر السعادة والفرح من جهة بقبول طلبهم هذا بالهجرة الى الخارج، وشعور آخر بالحزن والمرارة لانهم سيتركون الوطن وأرض الآباء والأجداد ويغادرون الى المجهول حيث  يبقى بالنسبة لهم اكثر ضمانة لمستقبلهم ومستقبل ابنائهم مما هم عليه الآن في هذا البلد.

يغادرون وقد لا تجد في حقائبهم الا امتعتهم الشخصية واوراقهم الثبوتية وسندات الملكية التي ستبقى تربطهم بالجذور وتؤكد مدى ارتباطهم بأرزاقهم وممتلكاتهم  وبيوتهم علّ وعسى ان يأتي يوم قريب يكتب فيه للبنان ان يعود كما كان مزدهراً آمناً مستقراً، بلداً للنور والاشعاع والحضارة، وعندها فقط يفكرون بالعودة اليه مع فلذات اكبادهم، وبالطبع هم لا يُلامون على ذلك، لان همهم الوحيد هو الالتحاق بمن سبقهم الى تلك الدول لتسجيل ابنائهم في المدارس والجامعات لمتابعة تحصيلهم العلمي كما للعمل هناك إذا تسنى لهم ذلك.

هذا المشهد يدفعنا ان نستذكر الاخوين رحباني والسيدة فيروز عندما جسدوا منذ سنوات وسنوات صورة لبنان المأساوية على ما هو عليه اليوم من خلال هجرة خيرة ابنائه وشبابه الى الخارج في مسرحية «ناطورة المفاتيح» وكأنهم قرأوا منذ ذلك التاريخ الواقع اللبناني المرير الحالي، فترك الاهالي اماكن اقاماتهم جماعياً وتركوا مفاتيح بيوتهم لـ «زاد الخير» التي حملت تلك الامانة وابقت على هذه المفاتيح حتى عودة الاهالي من جديد. اما زاد الخير اي السيدة الكبيرة فيروز فلا تزال تحرس بعيونها وبقلبها هذا الوطن وأهله ومفاتيح بيوته من منزلها في الرابية.

اما وقد ترك اللبنانيون المهاجرون الى الخارج مفاتيح ارزاقهم وبيوتهم وغادروا، فقد نصل الى يوم قريب قد لا يجد فيه المسؤولون والحكام والسياسيون في هذا البلد اي شيء يتسلطون عليه، انما سيقتصر حكمهم فقط في حينه على المفاتيح دون غيرها، وايضاً قد لا يجدون لبنانيين يفرضون عليهم جورهم وفسادهم وتسلطهم وسرقاتهم كما قد يجدون ابواب الوطن مشرعة على مصراعيها لمن لا يمت بأي صلة لهذا البلد، وعندها لن يجدوا لا الوطن ولا المفاتيح ولا زاد الخير.