بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 نيسان 2021 12:02ص كارثة في بحيرة القرعون.. الفساد يطفو على شكل تلوّث

مصلحة الليطاني: تخوّفٌ من انتقال الظاهرة لأنهرٍ أخرى.. وننتظر التقرير النهائي

أسماك نافقة طافت على وجه مستنقع القرعون!! أسماك نافقة طافت على وجه مستنقع القرعون!!
حجم الخط
تُعدّ بحيرة القرعون في البقاع الغربي، كما هو معلومٌ، أكبر البحيرات الصّناعية في لبنان وتعتبر مصدراً أساسياً للري ولتوليد الطاقة الكهربائية.

وما لم يعُد جديداً ومفاجئاً، أنّ تلك البحيرة أصبحت أكبر مستنقعٍ للصرف الصحي في لبنان ولنفايات 69 بلدةٍ ومصانع كثيرة تمتد على طول ضفاف نهر الليطاني. هذا التلوّث المتراكم منذ عقودٍ، تُضاف إليه مشاهد مؤسفة دوريّاً، فبعدما ضجّت مواقع التواصل الإجتماعية منذ أيّامٍ بصور الأسماك النافقة على سطح مياه البحيرة، دبّت حالةٌ من الهلع لدى أبناء البلدة وصيّاديها والجهات المعنيّة بمتابعة معضلة التلوّث فيها كالمصلحة الوطنية لنهر الليطاني.

فماذا أظهرت نتائج المسح العلمي والميداني لمؤسسة الليطاني؟ وما هو رأي الصيادين والمعنييّن من الفاعليات البلديّة بحسب خبرتهم وتعايشهم مع عوامل التلوث وعواقبها؟ وهل للتلوث علاقةٌ مباشرة بما حدث؟

ما تعليق مصلحة الليطاني؟

وفي حديثٍ خاصّ لـ«اللواء» مع مديرعام المصلحة الوطنية لنهر الليطاني د. سامي علوية في هذا الخصوص، اعتبر أنّ «المشكلة الأساسية التي يواجهونها على البحيرة هو الصرف الصحي الذي يصل إلى حوالى 60 مليون متر مكعّب في المياه، وهو السبب الرئيسي لمعظم مشاهد التلوث. ولا شكّ أن هذه الأسماك الّتي نفقت على الشاطئ، حتى قبل خسارتها، كانت غير صالحة للأكل، فالمصلحة الوطنية أخذت قراراً منذ عام 2018 بالتنسيق مع وزارة الزراعة لمنع صيد الأسماك»، مضيفاً: «نحن نقدّر أن هناك عائلات يعتبر باب رزقها الأول الصيد، وقد طالبنا وزارة الشؤون الإجتماعية لتعوّض عليهم وعلى أسرهم، فالأسماك التي يتم اصطيادها غير صالحة للإستهلاك البشري والبحيرة مليئة بالمعادن الثقيلة التي تترسّخ على جلدكل الثروة الحيوانية المائية ولحمها وعظامها. ويشكل هذا بالطبع خسارة كبيرة لهكذا ثروة مهمّة».

وصرّح علويّة بأنّه «وفقاً لآراء الخبراء، نفوق السمك يمكن أن ينتج عن سببين، الأوّل بديهي وقد يكون نقص الأوكسجين في المياه بسبب التلوث والثّاني هو إرتفاع نسبة النيتروجين الّذي يجلبه النهر لأن هذا الموسم مخصص لتسميد الأراضي الزراعية. وقد استمرت الحالة في التفاقم، فاستدعينا فريقاً ثانياً للتدقيق أكثر فتبيّن أنّ نوعاً واحداً من الأسماك فقط مات، لذلك اكتُشف أنّ السّبب ليس نقصاً في الأوكسجين أو لأسباب أخرى كما رُجّحَ أوّلاً، ثمّ توسّعت التّجارب فتّم التوصل إلى تقرير أوّلي وهو أنّ هناك فيروس محدّد يصيب أسماك الكارب في فصل الرّبيع. ونحن الآن في انتظار التقرير النهائي الّذي سيصدر خلال أسبوع. وعلى ضوئه سيتم إبلاغ الأمانة العامة لمجلس الوزراء والّتي بدورها تبلّغه للوزارات المعنية لأنّ هذه المشكلة تتجاوز مؤسسة الليطاني، وتخص جهات مستثمرة ووزارات الصحة والإقتصاد والداخلية ورئاسة الحكومة، لأن هناك تخوف من إنتقال الڤيروس إلى أنهارٍ أخرى».

وكشف علويّة لـ«اللواء» عن أنّ «نوع سمك الكارب ليس لبنانياً ولا يجب أن يكون في البحيرة بل، ومنذ سنواتٍ قامت جهةٌ فيوزارة الزّراعة بإحضاره ووضعه في بحيرة القرعون وتعنايل وغيرها، فضرَّ بالبيئة المائية»، محذّراً من أنّ «هناك مافيا من التّجار تجمع هذه الأسماك النّافقة وتقوم ببيعها، إذ يظهر كلّ يومٍ حوالي 400 كلغ إلى 2 طن من هذا النوع».

ووجّه علويّة مسؤولية هذا التلوّث الذي وصفه «بالجريمة» إلى مجلس الإنماء والإعمار ووزارة الطاقة والمياه، قائلاً: «هم الجهة المسؤولة عن قروضٍ بمئات مليارات الليرات لرفع التلوث عن الليطاني والقرعون ولكن لا أموال سُلّمت حتّى اليوم، فمجارير 69 بلدة لا زالت كما قبل تصبّ فيهما!».

رأي الصيادين والفاعليات

ومن منحى آخر، قدّم صيّادو المنطقة المحيطة ببحيرة القرعون وأهالي البلدة تحليلاً آخر لهذه الظّاهرة الحاصلة، وفقاً لخبرتهم الخاصّة على مرّ السنين من الصّيد والمتابعة لمسألة تلوّث البحيرة، إذ أوضح الصّياد فؤاد قدورة أنّ «ما يحصل يعود إلى عشبةٍ تشبه البابونج تتفتّح كلَّ سنةٍ في شهر نيسان على الشّاطئ، فتموت الأسماك عند اقترابها منه وأكلها وهي أيضاً تقتل الماعز في حال تناولهم لها أثناء الرّعي لكن لا علاقة لها بالتلوّث».

وبعد السّؤال عن نشاط الصّيد حاليّاً على البحيرة، لفت قدّورة إلى أنّهم «توقّفوا عن الصّيد إثر ما حصل من نفوقٍ للأسماك وبموجبٍ طلب مصلحة نهر اللّيطانيريثما يصدر تقريرها العلمي إزاء ما حدث، إضافةً إلى أن هذا الموسم غير مرخّص للصيد»، لافتاً إلى أنّه «منذ حوالى 6 أشهر أجرينا فحوصات على سمك الكارب وتبيّن أنّه صالحٌ للأكل بشكل طبيعي في مراكز الفنار والجامعة الأميركية في بيروت». 

بينما عضو المجلس البلدي في القرعون طلال جبارة إلى أنّ «هذه الحالة تحدث سنويًّا عندما يكون مستوى المياه عالٍ، بحيث تنمو في المنطقة الّتي نفقت فيها الأسماك هذه العشبة بحدود 700 متر طولي تحت المياه، وقد مات السّنة الماضية حوالي 15 غنمة كانت قد أكلت منها عدا عن خسارة الأسماك بشكل سنوي بسببها»..

وأجمع كلّ من جبارة وقدّورة على أنّ «السّبب الرئيسي لا يعود إلى فيروسٍ إذ في هذه الحالة لكانت كلّ أنواع الأسماك ستُصاب وتموت، لكن هذه الحالة حصلت مع سمك الكارب فقط».وعن الجهود الّتي تبذل عامّةً اليوم في سبيل التخلّص من التلوث في البحيرة، يعلّق جبارة مؤكّداً أنّ «المساعي لن تكتمل دون رفع الشّكاوى على كلّ البلديات الّتي تصبّ مياه المجارير والنفايات في البحيرة».

وفيما يُنتَظر التقرير النهائي بعد أسبوعٍ لمعرفة النتائج العلمية الّتي تفسّر نفوق هذا العدد الكبير من أسماك الكارب، تمنع المصلحة الوطنية لنهر الليطاني الصّيد بحكم الأذى الذي يلحقه التلوث بالثروة الحيوانية المائية في البحيرة موجّهةً كتباً بعناوين عريضة إلى الجهات المعنية في هذا السياق. وفي حين يكافح بالمقابل كل من الصّياد القروي والمواطن ويقعان ضحية هذه الكارثة البيئية الحاصلة.. الأوّل يُهدَّدُ باب رزقه والثاني تهدَّدُ صحّته أمام الجهات المعنيّة العاجزة عن لجم مصادر التلوث وعن المباشرة بالحلول رغم مرور سنينٍ على الوعود.. فما هي المصائب المستقبلية التي ستقع وسيشهدها محيط بحيرة القرعن جرّاء هذه الجرائم البيئيّة العلنيّة؟