بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 نيسان 2023 12:12ص كيف يتحضر الفرد لمرحلة التقاعد؟

هي فترة سنعيشها وسيتعين علينا إيجاد معنى لها هي فترة سنعيشها وسيتعين علينا إيجاد معنى لها
حجم الخط
يتأثر قرار الفرد بالتوقف عن العمل والانتقال إلى مرحلة التقاعد بالعديد من العوامل والظروف مثل العوامل الإقتصادية، والظروف الإجتماعية، وأحياناً بالحالة الصحية للشخص.
وبالرغم من أن تأثير هذه العوامل على بداية سن التقاعد، ومستوى المعيشة المتوقع بعد التقاعد، والتغيرات في العلاقات الاجتماعية المصاحبة لهذه المرحلة من الحياة، قد خضعت للكثير من الدراسات والبحوث، إلا أن تأثير التقاعد على الحالة الصحية، وعلى احتمالات الإصابة بالأمراض، لم يحظَ بنفس القدر من الاهتمام. الأمر الذي يجعل المتقاعد يواجه هذه المرحلة الجديدة في حياته، مما يؤدي إلى أزمة هوية كبيرة له، وبالتالي إلى الوقوع في الاكتئاب أو تسريع الشيخوخة العقلية.

   د. فتح الله
لتسليط الضوء على هذا الموضوع التقت «اللواء» الاخصائية النفسية والمستشارة بأمور رفاهية الفرد النفسية والحياتية د. جمانة فتح الله، فكان الحوار الآتي:
تحول كبير
{ كيف يجب أن يتحضر الفرد لمرحلة التقاعد؟
- سواء كنا نخافها أو نأملها، فسنجتازها جميعًا! انها فترة من الوقت سنعيشها وسيتعين علينا إيجاد معنى لهذا الوقت. 
وغالبًا ما يتم بلوغ سن التقاعد كتعريف اجتماعي للدخول إلى الشيخوخة، لكنها متفاوتة وسوف تنحسر في السنوات القادمة.
لكن عمليا يعتبر التقاعد تحول كبير في حياة الشخص، ويُفهم عمومًا على أنه توقف الفرد عن النشاطات المهنية.
أما الخبر السار فهو أننا لسنا مضطرين لانتظار حفل الوداع من العمل، كل ما يتعين علينا القيام به هو تحديد أولوياتنا، واتخاذ الخيارات، وإعطاء الأولوية لما هو ضروري، ومعرفة غير الضروري، من أجل إيجاد التوازنات الضرورية الجديدة بين الماضي والحاضر والمستقبل المنشود.
تحديد الأولويات
{ ما الخطوات الواجب اتباعها؟
- علينا أن نحدد الاولويات التي نرغب في اتباعها، أن نسأل أنفسنا:
ما الذي يمكننا فعله للاعتناء بنفسنا وبصحتنا الجسدية والعقلية؟ على سبيل المثال، الهوايات، تنمية الشخصية...
 ما الذي يمكن أن تفعله لتكون سعيدًا؟
هذا بالإضافة، إلى مراعاة الواقع المادي الملموس لتنفيذ مشاريعك؛ أي ما تحب وما يمكنك القيام به جسديًا، ماليًا، إلخ...
أيضا فيما يخص علاقاتك بالآخرين: ما هي الروابط الأسرية والزوجية والاجتماعية التي تريد الحفاظ عليها؟
 تخلص من عاداتك، وفكر ببعض الروابط التي تحررك والبعض الآخر الذي يقيدك، ولا سيما أن رفاهيتك تعتمد كثيرًا على جودة علاقاتك.
أما النقطة الرابعة فهي تتعلق بالتزامك بالآخرين: ماذا تريد أن تجلب لهم، أو قادر ان تعطيهم؟
 كيف يمكنك الاعتناء بهم، والانخراط أكثر؟ في أي مجموعات تريد أن تكون عضوا؟
هذه الخطة الشخصية بالطبع ليست ثابتة، وسيتعين عليك إعادة تصميمها وإعادة النظر فيها على مر السنين، وهي تتطلب منك إعادة تحديد الاولويات الجديدة.
الإضطرابات النفسية؟
{ ماذا عن الإضطرابات النفسية في هذه المرحلة؟
- وفقا لمنظمة الصحة العالمية، في جميع أنحاء العالم، من البالغين 60 سنة وما فوق:
- 15٪ يعانون من مشكلة صحية عقلية.
- 6.6٪ من الإعاقات تعزى للإضطرابات النفسية أو العصبية، ومن أكثر المشاكل الشائعة الخرف والاكتئاب:
- 7٪ يعانون من الاكتئاب.
- وحوالي ربع حالات الانتحار في العالم من هؤلاء الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 60 عامًا أو أكثر.
أما الاضطرابات النفسية عند كبار السن، فغالبا ما تكون مشاكل الصحة العقلية قد تم التعرف عليها بشكل خاطئ من قبل المهنيين الصحيين ومن قبل كبار السن أنفسهم، أو تم تشخيصها بشكل خاطئ. والمؤسف أن الأمراض العقلية تتضاعف بسبب وصمة العار من وجهة نظر المجتمع للإضطرابات النفسية والشيخوخة، مما يؤدي إلى صعوبة في التعرف عليها والشعور بالعار لطلب المساعدة. الأمر الذي يعزز العزلة والإقصاء وترك الاضطرابات النفسية تتفاقم.
الاكتئاب ليس قدرا
{ ماذا عن الإكتئاب وهل صحيح انه قدر كبار السن؟
- خلافا للإعتقاد الشائع، فإن الاكتئاب، ليس قدرا لكل كبار السن. الاكتئاب يظهر الشخص بمزاج حزين و/أو بخسارة الاهتمام بالأنشطة المعتادة أو الاستمتاع بها.
لهذا يمكن أن يحصل انخفاض أو زيادة في الشهية مع خسارة أو زيادة في الوزن، صعوبة في النوم، تعب، شعور بانعدام القيمة أو الشعور بالذنب، إنخفاض في عمل الذاكرة والتركيز، وأحيانا أفكار انتحارية. 
ومع تقدم العمر، يمكن للاكتئاب أن يتجلى في الشكاوي والألم جسديًا، تغيير في السلوك والشعور بالعدائية والعدوانية.
العلاج
{ كيف يتم العلاج؟
- يتم العلاج النفسي، من خلال مضادات الاكتئاب التي يصفها الطبيب والتي تسمح في إدارة التوتر وتخفيف الاكتئاب.
لكن يجب أن يتم استخدام مضادات الاكتئاب بشكل حذر، مع مراقبة دقيقة للآثار الضارة والتفاعلات مع الأدوية الأخرى الشائعة عند كبار السن.
{ هل صحيح أن مرحلة التقاعد تعزز القلق؟
- صحيح يمكن أن تعزز القلق لدى كبار السن وتؤثر على عمل الجسم وعمل الأعضاء في الجسم.
هذا ما نسمية «الجسدنة» وقد تؤدي الى فقدان الاستقلالية. لذلك، علينا سحب الشخص من هذه الحلقة المفرغة، وينبغي الاهتمام بالانشطة الحيوية الجسدية: مثل الاسترخاء، السفروولوجيا، واليوغا... إلخ، كذلك تنظيم ساعات العمل والنوم.
{ هل من إضطرابات نفسية أخرى؟
- هناك الاضطرابات المعرفية: كـ«الزهايمر» والأمراض التنكسية العصبية التي ترتبط بالدماغ ولها تأثير كبير على الحياة الأسرية والمهنية والاجتماعية للشخص.
وهذه الإضطرابات تتميز بضعف الذاكرة، اضطراب اللغة.
إضطراب النشاط الحركي والقدرة على تنظيم المهام اليومية.
وتؤدي الإضطرابات المعرفية إلى اضطرابات التواصل وصعوبة القيام بالامورالأساسية في الحياة: كالخروج من المنزل ثم في مرحلة لاحقة، الاكل، الاستحمام.
ليس هناك من صحة من دون صحة عقلية
{ ما أهمية الاهتمام بالصحة النفسية في هذه المرحلة؟
- ليس هناك من صحة دون صحة عقلية، فالصحة النفسية بحث دائم من التوازن بين جميع أبعاد الحياة: العاطفي، العقلي، الجسدي، الاجتماعي الروحي والاقتصادي.
هي تتأثر بالظروف المعيشية (السكن، النشاط والموارد وما إلى ذلك...)، والأحداث في الحياة (الفجيعة، الانفصال، وما إلى ذلك)، بالإضافة إلى المجتمع الذي نحن نعيش فيه وقيمنا الشخصية.
فالصحة النفسية الجيدة لها تأثير إيجابي على الشيخوخة، وجميع الإجراءات التي تسمح بكسرالعزلة الاجتماعية، وتحسين التضامن بين الأجيال وبين الأقران، وتنفيذ التقديمات لتحسين نوعية الحياة، تساهم في تحسين الصحة النفسية للمسنين.
وهنا لا ننسى أنه يمكن أن يصاحب هذه المرحلة في كثير من الأحيان معاناة نفسية، مثل خسارة الأصدقاء، موت الأحباء، الفشل في الوظيفة أو فقدان للحواس (السمع او البصر)، ضعف الحركة، الإصابات التي سيتم التعامل معها يوميًا، جروح الطفولة التي لم تغلق حقا، كلها أسباب تؤدي الى عدم الاستقرار النفسي.
تقبل التقاعد بين الرجل والمرأة؟
{ هل يختلف تقبل التقاعد بين الرجل والمرأة؟
- دور المرأة في الأسرة يجعلها تختلف من حيث الطريق إلى التقاعد عن الرجل، على سبيل المثال: النساء بشكل عام أكثر احتمالا من الرجال للتقاعد في وقت مبكر لتلبية احتياجات الأسرة، مثل رعاية أحد الأقارب: كبير بالسن أو زوج مريض. 
التقاعد لدعم الآخرين يمكن أن يؤدي إلى انخفاض مستويات الرفاهية النفسية بتكريس وقتها لمن تحب وهو في حاجة إليها، فهي تقوم بأدوار جديدة خلال فترة تقاعدها وتستثمرها في علاقاتها الاجتماعية وهذا يسبب لها حمل زائد للمسؤوليات. 
علاوة على ذلك، فإن الالتزام وكمية الوقت الذي تقضيه في رعاية الآخرين يرتبط بشكل إيجابي بمستوى مرتفع من الاجهاد عندما يتعلق الأمر بفقدان العلاقات الاجتماعية. 
وفي هذا المجال، تشير الدراسات إلى أن النساء المتقاعدات أكثر عرضة من الرجال المتقاعدين لغياب الدعم الاجتماعي أثناء التقاعد، ما يؤدي لدى النساء الى ظهور أعراض الاكتئاب والوحدة والعزلة في غياب الدعم الاجتماعي.
 ومع ذلك، تشير بعض الدراسات أيضا إلى أن النساء سوف يشاركن أكثر من الرجال في الأنشطة أثناء التقاعد (على سبيل المثال: الهوايات، السفر، التطوع، والعودة إلى المدرسة أو الجامعة).
بالمختصر، على الرغم من أن النساء المتقاعدات تواجهن في البداية المزيد من الصعوبات، لكن المشاركة في الأنشطة الاجتماعية أثناء التقاعد تمكنهن من التغلب على خسائرهن الأولية وربما زيادة رفاهيتهن النفسية.
من ناحية أخرى، ذكرت بعض الدراسات أن الرجال يعانون بشكل أقل من الاكتئاب أثناء التقاعد مقارنة بالنساء المتقاعدات، لكن في دراسات أخرى تبين أن الرجال المتقاعدين أبلغوا عن مستوى أقل من الرفاهية النفسية من النساء.
على سبيل المثال، أبلغ الرجال عن علاقات أقل مع الآخرين، التي أثرت على النمو الشخصي لديهم.
 هذا الفرق حسب المؤلفين، يرجع الى أن الرجل يجد في مكان العمل أهميته، والتحكم في بيئته، الوفاء والانتماء لزملائه.
أما عند مغادرة العمل، فيمكن أن يفقد الرجال المتقاعدين هذه التجارب المفيدة بسرعة.
انطلاقا من ذلك، تظهر الدراسات أن الرفاهية النفسية للرجال المتقاعدين كانت مرتبطة بقوة بمواردهم المالية، بينما بالنسبة للنساء فهي تتمثل بعلاقاتهن الإجتماعية، وعلى ما يبدو فإن الرجال والنساء يعيشون تجربة التقاعد بشكل مختلف.
مرحلة التقاعد ليست مرضا
{ ختاما، هل من نصائح محددة؟
- يهمني أن أؤكد أن مرحلة التقاعد ليست مرضا، هي عملية «فيزيولوجية» طبيعية مسؤولة عن التعديلات الهيكلية والوظيفية في جسمنا.
لذلك علينا كسر العزلة الاجتماعية وتقوية التضامن بين الأجيال وبين الأقران، تقديم الدعم لـنوعية حياة جيدة، وتحسين الصحة العقلية للمسنين.
ولنفكر دائما أن مرحلة التقاعد يمكن أن تكون فرصة لـ«اكتشاف الذات»، إعادة التعبئة وأحيانا إعادة البناء، أو بشكل أكثر تواضعًا، تعطي التماسك والمعنى لوجود الشخص.