«دعونا نهاجر لنؤمن مستقبلنا بعیدا عن هذا المستنقع»، بهذه الكلمات عبر كمال عن رغبته الشدیدة في الهجرة، ومثله الكثیر من الشبان والشابات الذین فقدوا الأمل بهذا الوطن، الذي لم یعد یؤمن لهم فرص عمل، هذا الوطن الذي لم یعد جدیرا بطموحاتهم وأحلامهم. هم قبل الرابع من آب فكروا بالهجرة، منهم من غادر ومنهم من بقي متمسكا بخیط أبیض رفیع من الأمل، لكن انفجار ٤ آب أحبط كل آمالهم، وفتح أعینهم أمام واقع هذا البلد وزعمائه الذین حتى الساعة ما زالوا یتخبطون لتشكیل حكومة بینما الشعب یلهث وراء تأمین دواء من هنا وبنزین من هناك ولقمة عیش من....
وصدقوني إن طرحت السؤال وراء أسباب تفكیر الشباب بالهجرة أجد نفسي عاجزة أمام طرحه، كیف لا وانا أدرك الجواب سلفا؟
فالواقع مریر والمستقبل مجهول والحاضر أقسى.
طموح بالهجرة
«اللواء» التقت عددا من هؤلاء الشباب الطامحین بالهجرة، وكانت الحوارات التالیة:
دم الشهداء لم یحرك ساكناً
{ روي سعادة یرى أنّ أهم الأسباب التي تدفع الشباب اللبناني إلى الهجرة إجتماعیة ومعیشیة، بالإضافة إلى انعدام العدالة في توزیع فرص العمل، یقول:
- العامل الأساسي للهجرة هو انعدام العامل المادي الذي یفتقده غالبیة الشباب، لا سیما عندما یودّون التفكیر في تكوین أسرة، خصوصا في ظل الأوضاع الاقتصادیة الصعبة التي تتخبّط فیها معظم الدول العربیة. لكن الیوم وبعد الرابع من آب، وفي ظل غیاب الدولة كل هذه العوامل تدفع بالشباب للهجرة إلى البلدان الأوروبیة أو الغربیة، نظرا إلى ما تؤمنه من أمان واستقرار لمستقبل الشباب، خصوصاً وأن دم الشهداء أجمع لم یحرك ساكناً في قلوب هؤلاء الزعماء الذین نسوا ضمائرهم.
الحل بالهجرة
{ جمانة حوري تعتبر أن الدولة هي السبب الأساسي في هجرة الشباب: لو أن الدولة توفر لنا فرص عمل ملائمة وتؤمن الإستقرار لتناسینا فكرة الهجرة، لكن للأسف فإن الواقع مغایر تماما، فكل مسؤول یغنّي على لیلاه ویؤمن فرص العمل بـ«الواسطة» لمحسوبیاته دون الإهتمام بالكفاءة.
لكن الیوم الواقع بات أسوأ، فاللیرة إلى انهیار الوضع المعیشي في الحضیض، وما كان بإمكاننا تحصیله في الماضي بات من المستحیل تحصیله الیوم . لذلك لم یعد هناك من حل سوى الهجرة حتى لو اضطررت للعمل في غسیل الصحون، المهم أن أعیش بكرامة وأمان.
یقتلون فینا كل أمل
{ نبیل فران كان یعمل كطبیب جراح في أحد مستشفیات العاصمة، وهو الیوم ینوي السفر إلى فرنسا لیكمل عمله هناك على أمل أن یحصل على الجنسیة الفرنسیة:
- بعد انفجار الرابع من آب واستشهاد العدید من المواطنین وجرح آخرین قررت في لحظتها مغادرة البلاد إلى غیر رجعة لأنني أدركت أن من «یجرب المجرب یكون عقله مخرب». في هذا البلد لا مكان للعیش ولا للحلم ولا للطموح هم یقتلون فینا كل أمل.
أضیفي إلى ذلك، البطالة والإجحاف الذي یمیّز بین الشباب بسبب الإنتماءات الطائفیة والسیاسیة، وعدم توفیر الوظائف المناسبة للمؤهلات العلمیة.
باختصار، الشباب اللبناني والعربي عموما لم یعد لدیه أمل في المستقبل لأنه بكل بساطة فقد ثقته بالسیاسیین عموما والمسؤولین في البلد، لذلك بات یفضل أن یهاجر ویعمل في الخارج وإنْ یتكبّد المشقات، لكنه في المقابل سیستطیع أن یعیش كإنسان محترم، وأن یتقاضى راتبه دون أن یضطر للإنتظار أو التساؤل إنْ كان سیقبض راتبه في موعده هذا الشهر أم لا، الأمر الذي یُمكّنه من التفكیر في الزواج وبناء أسرة والمضي قدما بمستقبله.
اكتفیت من البلد وزعمائه
{ لولوة تمیم عرفت عن سبب رغبتها بالهجرة إلى أي بلد یستقبلها بسبب عدم توافر فرص العمل الملائمة لها في البلد، بالإضافة إلى عدم تقدیر الكفاءة العلمیة ما یجعلها تهاجر وتفكر باللاعودة، لا سیما وسط الظروف الإجتماعیة والإقتصادیة الصعبة التي لم تعد توفّر أي بصیص من الأمل، فالغالبیة باتت تشعر بالیأس والإحباط خصوصا أن هناك العدید من الشباب الذین نالوا شهادات علمیة ذات كفاءة عالیة المستوى إلا أنّهم لم یتمكنوا من العمل بها ما اضطرهم للعمل في وظائف دون مستواهم الأكادیمي كي یتمكنوا من تأمین لقمة العیش. فهل هناك من أسباب أصعب من ذلك للتفكیر بالهجرة؟! اللیرة في الأرض و«الدولار» في ارتفاع مستمر، لا كهرباء لا بنزین لا دواء، والف لا ولا...
ماذا ننتظر أكثر من ذلك لنهاجر دون رجعة؟
صدقیني، أنتظر الموافقة على طلب الهجرة كي أهاجر دون عودة على الإطلاق مهما جرى، لأنني اكتفیت من هذا البلد وزعمائه.
٤ آب فقدنا الأمل
{ كمال عویدات أنهى شهادته الأكادیمیة منذ سنوات وحتى الساعة لم یتمكن من تأمین فرصة عمل: «لست بحاجة لتعداد الأسباب لأنها واضحة تماما، فالظروف الإجتماعیة الصعبة وفرص العمل شبه المعدومة، واستحالة تحقیق الآمال والطموحات، كلها تدفع بنا للتفكیر بالهجرة بحثاً عن ظروف أفضل ومستقبل أكثر استقراراً. والمؤسف أنه لیس هناك من تشجیع أو دعم للشباب في لبنان عموما، بل على العكس فنحن حین نجد كفاءة علمیة أو طاقة إیجابیة لدى أي شاب نحبطه بدلاً من أنْ نقدّم له الدعم والتشجیع، عكس ما یحصل حین یهاجر الشاب وینجح في الخارج، إذ تراهم یتمسّكون به ویضعونه في أعلى المناصب حتى أنّهم یحولون دون عودته إلى بلده للإستفادة من خبراته، أما نحن «فحدث لا حرج».
وأضاف: «لم أعد أؤمن بهذا البلد خصوصا بعد الرابع من آب، جریمة بهذا الحجم كانت جدیرة بتغییر النظام وقلب كافة المقاییس، لكن نحن نعیش وكأن شیئا لم یكن، دعونا نهاجر لنؤمن مستقبلنا بعیدا عن هذا المستنقع».