بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 أيلول 2020 12:00ص لقاء فيروز ماكرون... وبحبك يا لبنان

فيروز تجول في شوارع باريس (أرشيف) فيروز تجول في شوارع باريس (أرشيف)
حجم الخط
فيما كانت طائرة الرئيس ايمانويل ماكرون تحلق في سماء لبنان قبل ان تحط على أرض المطار، كانت السيدة العظيمة فيروز كعادتها تحلق بدورها في الاعالي وتطال النجوم لتؤكد انها فعلاً سفيرة لبنان إلى النجوم دون منازع.

صوت فيروز الهادر ترتيلاً أو كلاماً أو غناءً وكما عوّدنا دائماً يخترق جدار صوت القلوب والعقول والضمائر ليس في لبنان وحسب إنما في كل ارجاء العالم، وهي تدخل إلى كل بيت وإلى كل قلب وكل مسمع وإلى كل مدينة وبلد في العالم دون الحاجة إلى سمة دخول أو حتى إلى جواز سفر.

وعندما نذكر اسم فيروز يرتجف الوتر ويرتبك اللحن لأن ذاك الصوت العذب الإلهي يتسلل إلى آذان النّاس وقلوبهم دون إذن من أحد فصوتها ليس عادياً أو تقليدياً كغيره من الأصوات بل لأنه صوت المبدعة السيدة فيروز، وحين صدح صوتها يوماً على ادراج هياكل بعلبك كادت أعمدة جوبيتر ترتجف وجلاً وخوفاً وتنحني إكباراً وإجلالاً وراح صدى ذاك الصوت يحلق عالياً حتى لامس النجوم من جديد.

نقول هذا لنؤكد انه ليس من المستغرب ان يختار الرئيس ايمانويل ماكرون الرابية ومنزل السيدة فيروز بالتحديد محطة أولى له في زيارته الثانية إلى لبنان ليرتشف قهوة المساء معها، ولكي يستمع إليها ويسمع منها هواجسها وخوفها على لبنان الذي احبته من الاعماق ومن الصميم، والتي غنت له بجوارحها وعواطفها بإبداع وإخلاص، فيما ستفتح هي بدورها قاموس الرحابنة وذاك التاريخ المجيد لتحكي الحكاية إلى رئيس فرنسا وتخبره بأن وطن الأرز في خطر وبأن الآمال معلقة على «الأم الحنون» للبنان لمد يد العون والإنقاذ والدعم والمساعدة له في هكذا ظروف صعبة جداً من تاريخه، اما كيف سيترجم الرئيس ماكرون محبته للبنان واقعاً فإن ذلك سيبدو جلياً من خلال هذا اللقاء الفريد والمميز.

فزيارة الرئيس ماكرون إلى السيدة فيروز لن يتخللها منح أوسمة أو نياشين التي تمنح وتعلق عادة على صدور الكبار، الا ان هذه المرة سيختلف الوضع لأن فيروز بحد ذاتها هي الوشاح الأكبر وهي التي تُكرِم ولا تُكرَم، وما الاوسمة التي حصلت عليها وعلى مدى سنوات وسنوات وهي من ارفع الأوسمة الا دليل على عظمة هذه السيدة وشخصيتها المبدعة دائماً. وعندما أطلق الرئيس ماكرون خلال مؤتمره الصحافي الأخير في قصر الصنوبر الشهر الماضي عبارة «بحبك يا لبنان» بلكنته الفرنسية كتعبير صادق منه عن مدى محبته لهذا البلد وأهله كان يُدرك جيداً ماذا يعني وماذا يقول، وقد اختار هذه الكلمات من اغنية السيدة فيروز عن قصد ليضرب عصفورين بحجر واحد، الأول للتأكيد على حبه للبنان، اما الثاني فهو ايضا للاشارة بوضوح على مدى اعجابه وتقديره واحترامه للسيدة فيروز ولانجازاتها الفنية على مدى مسيرتها الفنية الطويلة.

فقد اختار الرئيس ماكرون هذه الشخصية لزيارتها في بيتها لأنها تشكّل بالنسبة إليه ولجميع اللبنانيين والعالم قيمة إضافية تجسّد وحدة اللبنانيين  وثقافتهم ورقيهم وحضارتهم مهما عصفت ببلدهم الأزمات ومهما عبث المغرضون في سمعة لبنان وامنه واستقراره ووحدة بنيه.

وإذا كان الجميع يُدرك ان الأحداث والحروب والفتن التي عصفت بلبنان على مدى سنوات وسنوات قد دمرت الحجر والبشر فيه، الا انه كان دائماً ينهض من بين الركام كطائر الفينيق لينفض جناحيه ويحلق من جديد في الاعالي كما تحلق فيروز بين النجوم، وأن لبنان سيعود منارة الشرق والعالم بأسره، كيف لا وأمثال السيدة فيروز ومحبي لبنان واصدقائه كالرئيس ماكرون سيبقون دائماً إلى جانبه.

غداً، عندما سيعود الرئيس ماكرون إلى فرنسا، سيجد في انتظاره المئات لا بل الآلاف ينتظرونه في ساحة الشانزليه أو برج ايفل أو غيرهما من الساحات ليتوجهوا إليه بأعلى الصوت  وبهتافات يطلقونها من أعماق قلوبهم «دخلك يا طير الوروار خبرني بحالن شو صار» وعندها لا بدّ ان يقف الرئيس ماكرون فخوراً مرّة أخرى امام ناسه وشعبه لكي يجيبهم بأعلى صوت «بحبك يا لبنان.. ولبنان ألف خير».

اما ما يحزّ في النفس والبال حادثة ما كنت أود ذكرها أو التذكير بها إلا ان زيارة الرئيس ماكرون للسيدة فيروز عادت بي بالذاكرة إلى تلك اللحظات حيث دخلت السيدة فيروز يوماً في الثمانينات إلى صالون الشرف بالمطار وهي كانت تهم بالسفر إلى الخارج، وما كادت تجلس على المقعد في ذاك الصالون حتى جاءها أحدهم معتذراً وطالباً منها الخروج من الصالون لأنه ليس هناك من إذن لديه يخوله السماح لها باستخدام ذاك الصالون قبل السفر، وعندها استجابت السيدة فيروز لطلبه بكل هدوء ورصانة وخرجت من الصالون ملبية الطلب فيما كان المطر ينهمر بغزارة في الخارج وغادرت يومها عبر قاعة المسافرين في رحلتها نحو بلاد الله الواسعة.

هذه الحادثة المريرة تدفعنا بكل صدق وامانة للمقارنة بين مواقف الدول والرؤساء الكبار الذين يقدرون ويحترمون السيّدة فيروز ويقصدونها في بيتها للقائها والاطمئنان عليها وإيفائها حقها لأنها منارة الشرق والعالم فنياً وثقافياً وحضارياً ووطنياً وهي تاريخ بحد ذاته كتب المجد عنها بكتب التاريخ ويكفي ان اسمها ارتباط بلبنان كما اسم لبنان ارتبط باسم فيروز على الدوام.