محطتنا اليوم مع الدكتورة في علم النفس العيادي والعام جمانة فتح الله، التي نالت مؤخرا في اليوم العالمي للمرأة شهادة التميّز، وذلك نظرا لجهودها في خدمة المجتمع ونشر ثقافة التنمية. لها نظرتها العلاجية في العديد من الأمراض، وفي مقدمتها «الزهايمر» حيث تعتمد في معالجته على «البستنة» بهدف تحفيز الذاكرة القديمة، بالإضافة إلى مرض الـ Fibromyalgia الذي بات منتشرا في المدة الأخيرة نظرا لكثرة الضغوط التي يعاني منها المواطن، إلا أنها ترى إمكانية في معالجته من خلال استخدام قوة العقل والتقليل من الشعور بالتوتر قدر الإمكان.
د. فتح الله
لتسليط الضوء على كل هذه المواضيع، وغيرها التقت «اللواء» د.فتح الله، فكان الحوار الآتي:
شهادة تميّز
{ بداية، لا بد من أن تخبرينا عن التكريم الذي حصلت عليه مؤخرا في يوم المرأة العالمي؟
- لقد أقامت أكاديمية «ثري إم» للتدريب والاستشارات 3M Academy حفل تدشين قسم الاحتياجات الخاصة في الأكاديمية، وقد تعمدت الأكاديمية إقامة هذا التدشين باليوم العالمي للمرأة في الـ8 من آذار، وذلك برعاية الأميرة نوف بنت عبد الرحمن آل سعود وبحضور الأميرة أضواء آل سعود.
وقد اختار مدير الأكاديمية د. جاسم المطيري هذا اليوم كذلك لتكريم المرأة العربية التي تعمل منذ سنوات مع ذوي الاحتياجات الخاصة وتؤمن بهذه الرسالة، وقد تم اختيار المكرّمات بناء على نشاطهم والسيرة الذاتية بالعمل لسنوات طويلة مع الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة. ونظرا لكوني إحدى النساء المتحمسات منذ سنوات لمشروع التقييم العلمي للطالب ذوي الاحتياجات الخاصة ودمجه في المدرسة العادية حصلت على شهادة التميّز، وذلك نظرا لجهودي في هذا المجال.
وبالرغم من العقبات الكثيرة لجهة استيعاب فكرة قبول ذوي الاحتياجات الخاصة في المدرسة، وتخوّف الأهل من مشاركة أبنائهم في المجتمع. كل هذه الأمور جعلتني أقرّر خوض التجربة بالطلب من وزارة التربية لإعطائه فرصة التعلّم في مدرسة عادية مع تقديم التسهيلات التربوية في الامتحانات، وهكذا أصبحت الفكرة مقبولة.
كذلك عملت على تنفيذ برنامج لتخفيض القلق عند الطالب حتى يتمكن من إدارة ومواجهة التوتر الذي يمكن أن يصاب به.
علاج «الزهايمر» بالبستنة
{ تحدثت عن العلاج بالبستنة (L`Hortithérapie)- لمساعدة مرضى «الزهايمر»، كيف ذلك؟
- يستخدم علاج البستنة حاليا لتحفيز الذاكرة القديمة (العاطفية) بشكل خاص المتعلقة بالمعرفة والمعرفة العملية والتوجه المكاني والزماني والنشاط الحركي والعلاقات الاجتماعية. أيضا لمحاربة تشتت الانتباه والكسل واضطرابات النوم.
يتم تقديم علاج البستنة في المستشفيات أو دور المسنين أو المراكز الطبية والاجتماعية، في حديقة أو على الشرفة, حيث تركز جميع الأنشطة على البُعد العاطفي للتواصل مع الطبيعة.
يتم وضع كل شخص في مجموعة من 5 أشخاص ويتم دعوتهم للعثور على اتجاهاتهم: النظر إلى الطبيعة لتحديد الموسم، وتذكّر إيماءاتهم في الماضي بذلك الوقت.
التجريف، والتقليم، والبذر، وما إلى ذلك. ثم يقوم المرضى بتبادل النصائح والذكريات والمشاعر، بتوجيه من اخصائي نفسي عيادي بالتعاون مع اخصائي نفسي حركي أحيانا.
مرض الـ Fibromyalgia؟
{ ماذا عن مرض فيبروميالجيا Fibromyalgia؟ وهل صحيح أن ليس له من علاج؟
- هو مرض من الأمراض المؤلمة بسبب تأثيره على طريقة معالجة الدماغ لإشارات الألم، فهو يتمثل بألم العضلات المترافق مع التعب ومشكلات في النوم والذاكرة والمزاج.
لا تستمع إلى الذين يقولون لك إنه لا يوجد علاج... لا تصدّق ذلك. استخدم قوة عقلك (هذا هو أقوى علاج). وهذا يتطلب:
- التقليل من الشعور بالتوتر قدر الإمكان.
- الحصول على قسط كافٍ من الراحة.
- الحفاظ على روتين يومي خاص بك.
- ممارسة تمارين الاسترخاء التنفسي: تنفسوا الهواء عبر الأنف، عندما تشعرون أن الرئتين مليئتان، أبقوا الهواء لتنتفخ المعدة مثل البالون هذا الجزء من التمرين هو الأصعب، والآن أخرجوا الهواء عبر فمكم ببطء.
- ممارسة تمارين الاسترخاء للعضلات التدريجي (شد العضلات وإرخائها من الرقبة والرأس نزولا بشكل تدريجي حتى أصابع القدم)، حتى تصبح أكثر وعياً بشأن الشعور الجسدي.
- وضع قواعد محددة للنوم ذات ساعات وجودة جيدة.
- ممارسة الرياضة المناسبة، مثل: المشي والسباحة.
- إتباع نظام غذائي صحي مع تحديد كمية الكافيين المتناولة.
علاقة الحالة النفسية بمرض السكري
{ هل هناك علاقة بين الحالة النفسية (الانفعالية) وظهور مرض السكري؟
- نحن نعطي أهمية كبيرة للعلاقة بين أحداث الحياة وتجربة المريض وعواقبها على الصحة النفسية والجسدية في علم النفس الجسدي psychosomatic.
أحد مرضاي، وهو الآن في الستين من عمره، أخبرني أنه مصاب بمرض السكري منذ سن 15، بعد صدمة نفسية: توفي والده في الأحداث اللبنانية بطريقة بشعة. وبالضبط بعد عام واحد من وفاة والده، فقد وزن كبير في شهر، وكان يشرب الكثير من المشروبات السكرية، وعندها تم تشخيص حالته بأنه مصاب بمرض السكري.
يمكنني أن أخبركم بقصص لا حصر لها عن مرضاي، في البداية يوجد دائما أحداث مأساوية: حادث، موت أحباء، إلخ... الذي يحدث انه غالبا ما يفشل النظام النفسي، وهو نظام دفاع مشابه لجهاز المناعة بالتعامل مع الأحداث. ومن ثم فإن الجسد عن طريق الدماغ يدير المشكلة بطريقته الخاصة. هذا يعني وبعد بضعة أشهر أو سنة، يصاب الجهاز المناعي بالاكتئاب، مما يفتح الطريق أمام أمراض أكثر خطورة مثل السكري.
علاقة التوتر بالسرطان
{ هل يوجد علاقة بين التوتر والسرطان؟
- الجدل كبير حول هذا الموضوع، وهناك أبحاث علمية في علم النفس الجسدي تقول بأن هناك علاقة بين الزيادة في خطر الإصابة بالسرطان والقمع العاطفي. هناك شخصيات، تقمع عواطفها، وخاصة الغضب، تعرض أجسادها لمستوى عالٍ من التوتر، مما يضعف دفاعاتها المناعية. ولكن الأطباء الذين يعالجون السرطان أحيانا لا يثقون بهذه الأبحاث.
إذن برأيي يوجد علاقة بين مرض السرطان والشعور أو العواطف، وقد تم إثباتها في العديد من الدراسات، ففي حالات التوتر والضغوطات النفسية يفرز الجسم هرموناً يعرف بالأدرينالين: (Adrenaline) الذي يساهم في تغيير تركيب الخلايا السرطانية (في غدة البروستاتا وفي الثدي خاصة)، كما ثبت أن التوتر يمكن أن يولد العديد من الالتهابات الخفيفة (اضطرابات الجهاز الهضمي أو الجلد) ويمكن أكثر!
ومن هذه الفرضية الواعدة، أسست برامج علاجية نفسية لمواجهة وإدارة التوتر لدى مرضى السرطان ،ولا سيما أن هناك دراسات تدعم هذه الفرضية.
إن الأمل الذي قد يعطى للمرضى بعد تعافيهم من السرطان بأن لديهم مجالاً لإدارة وتخفيض التوتر، قد يزيد من فرصهم بالثبات في التعافي من السرطان وعدم المعاناة منه مرة ثانية.