بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 كانون الأول 2020 12:01ص من البلد إلى أسواق بيروت: المدينة تفتقد إلى قلبها النابض

حجم الخط
البلد، المدينة، الوسط التجاري، اسواق بيروت، كلها تسميات لمنطقة جغرافية واحدة، وإن إختلفت تلك التسميات بإختلاف الأجيال ونتيجة لما مرّ على بيروت من حروب وما شهدته من متغيّرات في شتى المجالات .

كانت الأسواق التجارية، داخل بيروت القديمة، عبارة عن شوارع صغيرة متداخلة، أغلبها مكشوفة، أما السوق المسقوف فقد عرف بإسم القيسارية، وقد إنطلقت معظم الأسواق من محيط الجامع العمري الكبير، وتحول سوق الفشخة الى السوق الرئيسي الذي تتفرع منه أسواق بيروت .

كثرت الأسواق التي تحمل أسماء مهن أو حرف معينة، ومعظمها كانت تبيع بالمفرق، بينما كانت الأسواق القريبة من المرفأ تبيع بالجملة، ومرد ذلك الى أن التجار الكبار كانوا يستوردون البضائع من المرفأ مباشرة تمهيداً لتوزيعها على تجار المفرق .

تركت الثورة الصناعية في أوروبا تأثيراً على النشاط التجاري في بيروت، فقد إنتشرت مختلف أنواع السلع الأوروبية في أسواق المدينة، وكان إعلان بيروت مركزاً لولاية بيروت في العام 1887 نقطة تحول في مسار التطور التجاري الذي اصاب المدينة لاحقاً، فتحولت الى أهم مدينة على الساحل الشرقي للمتوسط ومركزاً رئيسياً لتسويق الحرير، مما ساهم في تطوير شبكة طرق المدينة إضافة الى إزدهار المرفأ، خاصة بعد تأسيس الشركة العثمانية في العام 1888 ولاحقاً تأسيس مجلس التجارة في العام 1899 ونشوء المصارف المحلية والأجنبية، وساهمت العوامل تلك مجتمعة في تطوير أسواق بيروت وحركة التجارة فيها .


بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى، أصدر الجنرال غورو في الأول من أيلول عام 1920 القرار رقم 336 والذي تضمن في مادته الرابعة إعلان بيروت عاصمة لدولة لبنان الكبير، وفي الخامس عشر من نيسان عام 1921 إفتتحت المفوضية الفرنسية معرض بيروت بعد أن أقامت سوقاً خشبياً، ليحمل الشارع الممتد من ساحة النجمة ليتصل بشارع اللنبي بإسم شارع المعرض، كما أقيمت ساحة النجمة في العام 1922 إستنساخاً لساحة النجمة في باريس، ما شكل تطور المدينة نحو نوع من الكوسموبوليتية .

وضع الإنتداب الفرنسي مخططاً جديداً لبيروت عبر الأخوين دانجيه في العام 1932، وحاولا ربط الأحياء القديمة بالوسط التجاري القديم، ووضع المهندس الفرنسي دولاهال في العام 1934 تصميماً تفصيلياً لساحة البرج يغلب عليه الطابع الفينيقي، وإنتشرت ظاهرة الأبنية التجارية التي إتخذت كمراكز تجارية ومالية ومكاتب للمؤسسات والمصارف، وإعتبرت مدينة بيروت نقطة إلتقاء لجميع المناطق اللبنانية، خاصة ساحة الشهداءـ التي كانت أيضاً نقطة إنطلاق الترامواي الكهربائي .

إستمر الوسط التجاري على إزدهاره حتى إندلاع الحرب الأهلية في العام 1975، لتخسر بيروت قلبها التجاري النابض، حيث دُمِّرت الأسواق القديمة وفنادقها، وتحوّل السوق القديم الى ساحة قتال وخطوط تماس .

بعد إنتهاء الحرب الأهلية، بدأ مشروع إعادة إعمار وسط بيروت، ولهذه الغاية تم إنشاء شركة سوليدير، لتصبح الأسواق الجديدة قلب بيروت النابض على نسق ونمط مختلفين عما كان سائداً في فترة ما قبل الحرب الأهلية، فإجتذبت كبرى الشركات المحلية والأجنبية لإفتتاح مراكز رئيسية لها في الوسط الجديد، وتقاطر السياح للتبضع من أفخم الماركات العالمية كما إنتشرت المطاعم مزدحمة بروادها خصوصاً من السياح العرب .

إستمر الوسط الجديد على إزدهاره مشكلاً نقطة الجذب الأولى للتجارة والسياحة في لبنان، حتى العام 2005، الذي شهد جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري، لتشهد مناطق الوسط التجاري فترة ركود كبرى نتيجة الإنقسام السياسي الحاد الذي أعقب تلك الفترة، إستمرت قرابة الخمس سنوات، أعقبها فترة من عودة الإزدهار، تمثل في عودة الروح الى الوسط التجاري الجديد .

شهد العام 2019 إندلاع ثورة السابع عشر من تشرين، الذي كان الوسط التجاري محور التحركات الشعبية، فأقفلت المحال التجارية أبوابها، ليشهد العام 2020 أحداثاً تركت أثراً بالغاً على النشاط التجاري في اسواق بيروت، من إنتشار فيروس كورونا والإقفال العام نتيجة إنتشار تلك الجائحة، الى العزلة غير المسبوقة التي يتعرض لها لبنان وما تبعه بإمتناع السياح عن القدوم كعادتهم وزيارة الوسط التجاري، وكان إنفجار المرفأ في الرابع من آب بمثابة الضربة القاضية للمنطقة حيث دمر مرفأ المدينة وأسواقها واعاد صوراً مشابهة  لفترة بشعة من فترات الحرب الأهلية، وساهمت تلك العوامل في خسارة بيروت لدورها التجاري والسياحي الرائد وفقدت بالتالي قلبها النابض المتمثل بوسطها التجاري بعد خسارة رئتها المتمثلة بمرفأ بيروت .

إعتادت بيروت على النهوض من كبواتها رغم الأزمات، لكن الأزمة الحالية بكافة محاورها قد تكون الأخطر والأصعب التي تتعرض لها المدينة .