بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 أيلول 2022 12:00ص ميا عطوي لـ«اللواء»: النساء أكثر عُرضة للانتحار نتيجة تعدد مسؤولياتهن

لبنان يحتل المركز الثاني كأتعس الدول عالمياً بفضل حكامه

ميا عطوي ميا عطوي
حجم الخط
لبنان الذي عرف بسويسرا الشرق على مدى عقود لما يتمتع به من مميزات قل نظيرها في عدد من الدول العالمية والعربية من حيث الثقافة والحضارة والرفاهية والمناخ، بات اليوم وبسبب الازمات المتتالية لا سيما الاقتصادية والاجتماعية الذي يعيشها منذ قرابة الثلاث سنوات بلد الإحباط واليأس، وانتقل شعبه من شعب سعيد ليصبح ترتيبه الثاني عالميا بالتعاسة، لذلك لبنان لم يعد يشبه لبنان الذي عرفته الأجيال التي سبقتنا، وبالتالي فقد تغير نمط عيش شعبه بشكل كلي بعد ان أصبحت أولوياته تأمين أساسيات الحياة من اجل الاستمرار في العيش مقهورا من غلاء المعيشة، مذلولا وامواله أسيرة في المصارف مع انهيار الخدمات العامة الأساسية في البلاد، في الوقت الذي تتحمل فيه الفئات الفقيرة العبء الأكبر للازمة والتي أصبحت الجزء الأغلب من الشعب اللبناني، فهذه العوامل مجتمعة سببت ضغطا نفسيا مباشرا على معظم المواطنين وقد بات اكثرهم يعانون من امراض نفسية ومشاكل عائلية نتيجة الاثار السلبية للازمة الاقتصادية والتي أدت الى تدني مستوى معيشتهم بطريقة غير مسبوقة ووصل بهم الامر الى الإحباط والقلق حتى الى الانتحار، وبحسب المعلومات فإنه تم تسجيل ارتفاع هذه الحالات نتيجة الضغوط الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي تواجه معظم الشعب اللبناني، وخصوصا ذوي الدخل المحدود الذين لا يزالون يقبضون رواتبهم بالعملة اللبنانية.
وفي هذا الاطار تقول الاخصائية النفسية ورئيسة جمعية «امبرايس» السيدة ميا عطوي «للواء»: «من خلال عملنا في عيادات الصحة النفسية وجمعية «للحياة» للوقاية والحماية للدعم النفسي نلاحظ ان هناك تأثيرا كبيرا للازمة الاقتصادية والاجتماعية بشكل ملموس على عدد كبير من المواطنين الذين يقصدون مراكز العيادات وتحديدا هناك 53% من هؤلاء لديهم عوارض متوسطة الى شديدة من الاكتئاب والقلق، ورغم ان الامراض النفسية يمكن ان تكون وراثية ولكن قد تكون هذه الامراض نتيجة الضغوطات الاجتماعية والحياتية والبيئة الذي يعيشون بها، ومن خلال عملنا لاحظنا زيادة مستمرة لهذه الامراض لدى النساء بشكل خاص واللواتي يتأثرن بالضغوطات اكثر من الرجال بإعتبار ان لدى المرأة وظائف عدة كونها ربة منزل وأم وفي الوقت نفسه لديها دورا فاعلا في الدورة الاقتصادية بحيث أصبحت تشغل اكثر من نصف الوظائف، لذلك ونتيجة لكل هذه الأدوار التي تلعبها والمسؤوليات التي تتحملها فإنه من الطبيعي ان تتعرض لضغوط إضافية، لذلك فإن اكثر الأشخاص الذين يلجؤون الى العيادات النفسية هم في اغلبيتهم من النساء وهن يتقبلن المساعدة والدعم النفسي اكثر من الرجال في مجتماعتنا».
وتلفت عطوي الى وجود قلق عام مستمر لدى عدد كبير من الأشخاص الذين يقصدون العيادات النفسية ومن أسبابه التفكير بالمستقبل وما يمكن ان يحلمه من صعوبات إضافية، من هنا فإن أكثرية الشعب اللبناني لم يعد باستطاعته الشعور بالراحة والسرور والاستقرار، ليس فقط بسبب حرمانه من ممارسة أمور كثيرة كانت تعتبر عادية في يومياته وقد حُرم منها نتيجة الضائقة المالية بل ايضا بسبب خسارته لكثير من الأشياء المادية والمعنوية نتيجة ما تعرضوا له خلال السنوات الماضية الأخيرة وادت الى تغيّير مباشر في مستوى الحياة.
وتعتبر المعالجة النفسية انه من الطبيعي ان ينعكس الضغط الاجتماعي والاقتصادي على الأوضاع العائلية وهذا الامر يترجم من خلال الكثير من الاتصالات التي تردنا على الخط الوطني الساخن اي «خط الحياة» 1564 وهو خط تشغله جمعية «امبرايس» بالتعاون مع البرنامج الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة بحيث ان معظم المتصلين هم من النساء ومن فئة الشباب والمراهقين الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة، والذين يعانون من مشاكل التأقلم مع الواقع ، إضافة الى الحديث عن مشاكل تعانيها الاسر بسبب الضغوطات على الاهل، مما يضعف التواصل مع الأولاد وبالتالي القدرة على تفهم مشاكل أولادهم الذين يتعرضون أحيانا لعنف منزلي جسدي ولفظي ، كذلك عدم تمكن هؤلاء الشباب من ايجاد فرص عمل مناسبة لهم خصوصا بعد الصعوبات التعليمية بسبب جائحة «كورونا» والاضطرار الى التعلم عن بعد، والمستغرب ايضا ان هاجس الشباب اليوم اصبح الهجرة بعد فقدناهم الكثير من الأصدقاء الذين تركوا البلد لذلك فقد اصبح لديهم شعور بانهم باتوا غرباء عن وطنهم ومحيطهم وهذا امر خطير جدا.
ولفتت عطوي الى ان الامراض النفسية عند وصولها الى مرحلة العلاج فإن ذلك يعيق قدرة المريض على الإنتاج، مما قد يكون سببا لضغط إضافي عليه ويصبح هاجسه هو إمكانية خسارة عمله، كذلك فإن المريض نفسيا يجد صعوبة أيضا بإيجاد فرص عمل.
وتؤكد عطوي بأنه ليكون لدينا صحة نفسية جيدة فإننا بحاجة لان نتمتع بأدنى مقومات المعيشة الأساسية وهذه حقوق طبيعية للمواطن في اي دولة، ولكن في الوقت الحالي فإن الشعب اللبناني اصبح فاقدا لهذه الأساسيات اي لهذه الحقوق.
وعن الفئات التي تتجاوب اكثر من غيرها في العلاجات النفسية تشير عطوي الى ان من يتجاوب في العلاج هم كل شرائح المجتمع من كافة الاعمار، ولكن حاليا وبسبب ارتفاع نسبة المرضى النفسيين فإن الوصول لتلقي العلاج اصبح صعبا خصوصا ان الجمعيات والمؤسسات التي تقدم هذه الخدمة تعاني من ضغط كبير ولائحة الانتظار طويلة .
وعن اعداد المنتحرين تكشف عطوي انه تم تسجيل 83 حالة انتحار من بداية العام حتى نهاية شهر تموز الماضي.
وفي اتصال «للواء» مع احدى السيدات التي تتعالج في عيادة نفسية وتدعى نهى م. عمرها 55 سنة تقول:«ان سبب توجهها الى معالجة نفسية هو الضغط الذي تعرضت له من زوجها اثناء فترة «كورونا» واستمرار وجودهما في المنزل مع الأولاد، بحيث لاحظت عصبية مرتفعة لديه عما قبل رغم انه يعتبر من الأشخاص العصبيين وانتهى هذا الامر بهما الى الطلاق وتعتبر ان حياتها اليوم أصبحت افضل خصوصا ان أولادها الثلاثة اصبحوا شبابا وانهوا دراستهم وغادروا لبنان.
اما ريم د. وعمرها 24 سنة فتكشف «للواء» انها بسبب الضغوطات النفسية وصعوبات التأقلم مع اهلها، قصدت معالجة نفسية ونصحتها بترك منزلها العائلي وكونها تعمل وتستطيع الاكتفاء المادي فقررت الاستقلالية والعيش بمفردها، وتعتبر ان وضعها حاليا اصبح افضل خصوصا انها تفضل العيش بهدوء.