بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 تموز 2020 02:55م نحو العدالة الدولية.. أبرز مراحل محكمة رفيق الحريري المعبّدة بالدماء والمواجهات

الصورة الأخيرة للرئيس رفيق الحريري قبيل دقائق من الانفجار الصورة الأخيرة للرئيس رفيق الحريري قبيل دقائق من الانفجار
حجم الخط
14 شباط 2005، إنه التاريخ الفاصل بين لبنانين، لبنان ما بعد الحرب الأهلية، ولبنان ما بعد رفيق الحريري.

بعد هذا التاريخ فقد البلد القدرة على الاستقرار، وتبعه خضات ما زلنا نعيش تداعياتها حتى اليوم، وحتمًا لن تنتهِ بإصدار حكم المحكمة الدولية بجريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، في السابع من آب المقبل في لاهاي بهولندا.

مسار المحكمة الدولية، بدءًا من المطالبة بها، فإقرارها، ونشأتها وتمويلها، وصولًا الى موعد الحكم النهائي، كان مسارًا معبّدًا بالدماء والتعطيل والمواجهات على الساحة المحلية، بحيث استطاعت فكرة «تدويل» اغتيال الحريري، بأن تعبث بكل عناصر الاستقرار الأمني والسياسي وحتى الإقتصادي، وذلك كورقة ضغط من قبل «معارضي المحكمة» للتراجع عنها.

أول الغيث، كان تحرّك مجلس الأمن في 15 شباط 2005، بعد يوم من الجريمة، بحيث كلّف المجلس الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي أنان رفع تقرير عاجل عن مسببات ما وصفه بـ«العمل الإرهابي»، وبعدها بـ 10 أيام، حضرت لجنة تقصي الحقائق، برئاسة فيتز جيرالد، واقترحت «لجنة دولية مستقلة» للتحقيق، بعد الكشف عن ما أسمته بـ«العيوب الخطيرة» بالتحقيق اللبناني.

في السابع من نيسان من العام نفسه، صدر القرار الدولي 1595، بتشكيل لجنة تحقيق دولية، بحيث أنشأ مجلس الأمن لجنة لمساعدة السلطات اللبنانية في تحقيقاتها بخصوص اغتيال الحريري. وفي خضم هذه المعركة التي بدأت تكبر، كان لبنان على موعد مع اغتيالات جديدة أكثرت من أوراق الملف اللبناني على المستديرة الدولية، وبدأ المسلسل باغتيال الصحافي سمير قصير، ثم جورج حاوي، وصولًا الى اغتيال النائب جبران تويني، في 12 كانون الأول 2005.

الحكومة تواجه رياح بعبدا ونسائم 8 آذار
سياسيًا، حاول وزراء «الثنائي الشيعي» أمل وحزب الله، منع الحكومة من رفع الطلب بانشاء محكمة خاصة بلبنان الى مجلس الأمن، بالتغيب عن حضور الجلسات، إلا أن الحكومة أقرت الطلب في 13 كانون الأول 2005، وصدر القراران 1644 و1664 عن مجلس الأمن، وطالب المجلس سوريا بالاستجابة للتحقيق الذي تجريه لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة (UNIIIC) بخصوص اغتيال الحريري، وبدأ التفاوض لإنشاء محكمة ذات طابع دولي.

وأدى إحالة أنان لمشروعي الإتفاقية ونظام المحكمة الى الحكومة في 10 تشرين الثاني 2006، الى استقالة وزراء الثنائي الشيعي، بالإضافة الى الوزير يعقوب الصراف الموالي لرئيس الجمهورية حينها اميل لحود، إلا أن ذلك لم يمنع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة آنذاك من إقرار المشروعين، في 31 تشرين الثاني عام 2006.

وُقع الاتفاق بين الحكومة والأمم المتحدة في 6 شباط 2007، واعتبر لحود وفريق «8 آذار» الاتفاق بأنه غير دستوري، وقوبل طلب السنيورة المرسَل الى المجلس النيابي لإجازة ابرام الاتفاقية بإقفال أبواب المجلس، ورغم حضور مستشار أنان القانوني نيكولا ميشال الى لبنان لتلقي ملاحظات المعترضين، رفض «حزب الله» تقديم أي ملاحظة.

ورغم محاولات الأغلبية النيابية الممثلة بـ 70 نائبًا بحث الأمم المتحدة على تبني اجراءات بديلة عن المحكمة، استمرت حكومة السنيورة بالضغط لإقرارها، وطالب رئيسها من بان كي مون (خليفة أنان) اتخاذ قرار ملزم من مجلس الأمن في 14 أيار 2007، فصدر القرار 1757 في 30 أيار 2007، وأقرَّ المجلس إنشاء محكمة خاصة للبنان لمقاضاة المسؤولين عن اغتيال الحريري وجميع الهجمات التي وقعت بين 1 تشرين الأول 2004 و12 كانون الأول 2005، وذلك تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

عادت الإغتيالات السياسية في هذه الفترة، وطالت في 13 حزيران 2007 النائب وليد عيدو ونجله خالد في انفجار هز بيروت، وثم النائب انطوان غانم في 19 أيلول 2007، والرائد وسام عيد في 25 كانون الثاني 2008.

انطلاق المسار في لاهاي
في الأول من آذار 2009، انطلق مسار المحكمة من لاهاي، تزامن ذلك مع الفترة السياسية التي فعّلت ما عرف بمسار « السين سين» وطُلب من الرئيس سعد الحريري، بعد تشكيل حكومته الأولى، إقفال ملف المحكمة، إلا أن الملف لم يُقفل.

سقطت حكومة الحريري في 12 كانون الثاني عام 2011 بعد تمنعه عن مناقشة ما سماه وزراء «8 آذار» بملف «شهود الزور»، وذلك بعد توقيف الضباط الأربعة (جميل السيد، علي الحاج، مصطفى حمدان، وريمون عازار) لمدة 4 أعوام قبل أن يطلق سراحهم عقب إعلان المحكمة بأن الأدلة لإدانتهم ليست كافية. وهم الذين أوقفوا بناء على شهادة محمد زهير الصديق، أحد الشهود المقصودين بالتسمية.

في 17 كانون الثاني 2011، أودع المدعي العام لدى المحكمة قرار اتهام سريًا، ثم أدخلت على القرار معلومات جديدة ومتهمين جدد هم: "مصطفى بدر الدين، سليم عياش، حسين عنيسي، وأسد صبرا". وفي 28 حزيران 2011 صدّق قاضي الاجراءات التمهيدية قرار الاتهام، وطلب توقيفهم، وأحيل القرار الى السلطات اللبنانية بعد يومين، وصدرت مذكرات توقيف دولية بحقهم في 8 تموز من العام نفسه. ولتكشف بعدها المحكمة في 16 آب عن مضمون القرار.

عام 2012، قرر عقد محاكمات غيابية، نظرًا لتواري المتهمين عن الأنظار، وأودع الإدعاء مذكرته التمهيدية في قضية عياش وآخرين، في 15 تشرين الثاني، وتم تحديثها لاحقًا.

وفي 2013، أودع الإدعاء قرار إتهام بحق المتهم حسن حبيب مرعي، وزعم فيه أن مرعي شارك في الاعتداء الذي وقع في 14 شباط 2005. وقرّرت المحكمة في كانون الأول محاكمة مرعي غيابيًا. وفي كانون الثاني عام 2014، أودع الإدعاء مذكرته التمهيدية في قضية مرعي.

وفي الشهر عينه، استهلت المحاكمة في قضية عياش وآخرين بتصريح تمهيدي قدّمه كل من الادعاء والممثل القانوني للمتضررين ومحامي الدفاع عن بدر الدين وعنيسي. وفي 11 شباط 2014، طلبت غرفة الدرجة الاولى ضم قضية مرعي وقضية عياش وآخرين، وفي الـ 25 منه، طلبت الغرفة تأجيل المحاكمة كي يتاح لمحامي مرعي الوقت اللازم لتحضير الدفاع، لتعود وتُستأنف بعد 4 أشهر في 18 حزيران 2014.

وفي تموز 2015، أكدت غرفة الاستئناف، عند فصلها في طعن قدمه محامو عنيسي قرارًا صدر عن غرفة الدرجة الاولى جاء فيه أن سجلات بيانات الاتصالات الواردة من شركات الاتصالات اللبنانية لم تحل بطريقة غير شرعية الى لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة أو المحكمة. وأن الغرفة سترجئ اتخاذ قرار بشأن جواز قبول جداول تسلسل اتصالات التي هي في حوزة الادعاء، وكان هذا القرار مهمًا لأن الأدلة المتعلقة بالتحركات المزعومة للمتهمين والاتصالات فيما بينهم حسبما يتضح من تحليل سجلات الهواتف والشبكات الخلوية تمثل جزءًا محوريًا من قضة الادعاء.

وبعد عام، في 11 يوليو 2016، أعلنت غرفة الاستئناف أنه توافرت أدلة كافية يستنتج منها أن بدر الدين قد توفي، وطلبت الغرفة انهاء الاجراءات بحقه.

الحريري: العدالة لا الثأر
في 14 أيار 2018، بدأ عرض قضية الدفاع عن عنيسي، واختتم تقديم الأدلة في حزيران من العام عينه، ليصار في أيلول 2018 الى انهاء المرافعات الختامية في قضية عياش وآخرين، دون استنتاج ادانة أو براءة المتهمين، وانصرف القضاة الى المداولة بشأن مسألة ما إذا كان الادعاء قد أقام الدليل على قضيته من دون شك معقول.

حينها صرّح الرئيس سعد الحريري من لاهاي، بعد حضوره احدى الجلسات الختامية للادعاء والدفاع، قائلًا: "لن ألجأ الى الثأر وأفصل بين مشاعري والحكم، الحقيقة ستظهر، ومن ارتكب الجرائم سيدفع الثمن، وطالبنا منذ البداية بالعدالة لأنها تحمي لبنان".

وستصدر المحكمة حكمها النهائي في 7 آب المقبل، بعد ما استمعت الى أكثر من 230 شاهدًا، وقبلت أكثر من 2200 بينة في عداد الأدلة، وتلقت أكثر من 3800 مستند أودعه الأفرقاء، وأصدرت أكثر من 700 قرار.