لعل مطلع الخبر التالي، ليس أكثر من ملامسة حقيقية وواقعية، لرحلة استمرّت بين الـ7:30 من صباح الأمس، و12:30 ظهراً، وانتهت بـ»بوش بنزين ما في».. 5 ساعات من الذل والبهدلة والقرف والحر.. واللف من كورنيش المزرعة إلى الأونيسكو، فردان، الروشة، الحمراء، الزيدانية، وعود على بدء إلى المتحف، فالعدالية وجسر الفيات، فالفوروم دي بيروت، وبرج حمود، وسن الفيل و»عدتُ بخفي حنين».. ولم أتمكن من تعبئة سيارتي التي اضطررت إلى ركنها والتوجّه إلى العمل بالسرفيس.
وفي نتيجة للمثل الشعبي القائل «أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أمورك أستعجب».. وبعدما أتحفنا كل من عضو نقابة أصحاب محطات الوقود جورج البراكس بأنّ البنزين سيوزّع على المحطات كلها أمس، فإنّ الذل الذي يستحقه هذا الشعب كان أبشع من كذب مَنْ حكموا هذا البلد.. والأبشع منهم مَنْ يدّعي مساعدة الشعب والشعب منهم براء..
وعليه، ساعات طويلة من الانتظار، باءت في كثير من الأحيان بالفشل وعدم التمكن من تعبئة السيارات ولو بالقليل من البنزين، ناهيك عن زحمات السير الخانقة التي فرضت قاموساً جديداً على حركة السير في العاصمة أو على مداخلها جنوباً وشمالاً.
تكاذب معلومات
وفيما زعم «تجمّع الشركات المستوردة للنفط» في بيان أنّ «الشركات استكملت منذ صباح اليوم (أمس) توزيع المحروقات، بعد موافقة مصرف لبنان، وسيكتمل توزيع الكميات المتاحة تباعاً طوال النهار، حيث إنه سيتم تسليم ما لا يقل عن 12 مليون ليتر من مادة البنزين على محطات المحروقات»، لافتاً إلى أنّ «المدير العام لوزارة الاقتصاد قام بجولة حيث تحقق من أن الشركات المستوردة تقوم بتسليم المحروقات من دون أي مخالفة»، فإنّ واقع الحال أكد عكس ذلك.
وبعدما «بيّض» البراكس في بيان، لـ»الشركات المستوردة للنفط للكميات التي وضعتها في السوق المحلي، ما سيساهم بالتخفيف من وطأة الأزمة خلال الساعات والايام المقبلة»، تمنّى على المواطنين «التخفيف من الضغط على أصحاب المحطات ليتسنى لهم تأمين البنزين للجميع»، مستدركا القول: «لكن يبقى السؤال الاهم والموجه الى السلطات المعنيية، الى أين نتجه في المستقبل القريب؟. لا يمكن معالجة هذه الازمة بحلول مؤقتة».
{ ليؤكد ممثل موزّعي المحروقات في لبنان فادي أبو شقرا أنّه «تم تسليم المحطات في بعض المناطق اللبنانية من قبل الشركات المستوردة التي لديها محروقات، أما الشركات الفارغة من المخزون فلم تستطع تسليم أي شيء، ولهذا السبب رأينا شحًّا في عدد كبير من المحطات، إضافة الى إقفال عدد كبير منها على كل الأراضي اللبنانية، ومنها من عمل لساعتين أو ثلاثة فقط. الذي يحصل اليوم هو ترقيع فقط وليس حلاً جذرياً».
على الأرض
وعصر أمس، عمد مواطنون غاضبون الى قطع الطريق بالاطارات المشتعلة عند تقاطع ايليا، احتجاجا على الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار وتردي الاوضاع المعيشية والاقتصادية، ونفذوا وقفة وسط الطريق مطلقين صرخة ان «الوضع لم يعد يحتمل من اذلال للمواطن عند محطات البنزين وفقدان الادوية في الصيدليات وارتفاع اسعار السلع الغذائية»، داعين الجميع الى «التحرك والنزول الى الشارع بعدما طفح الكيل».
ومساءً، عمد عدد من المحتجين إلى قطع مسلكي طريق الروكسي - ساحة عبد الحميد كرامي، احتجاجا على ارتفاع سعر صرف الدولار والغلاء وتردي الاوضاع المعيشية، وذل المحروقات.
المراقبون يسطّرون
وفي موازاة ما سبق، قام مراقبون من مصلحة الشمال في مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، بمؤازرة من مكتب أمن الدولة في حلبا، بدوريات على محطات المحروقات في منطقتي حلبا والعبدة، لقمع الاحتكار والغش، حيث تمت معاينة خزانات هذه المحطات والتثبت من عملية البيع. ونظّمت محاضر ضبط عدة بحق اصحاب المحطات المخالفين. كما كانت جولة على بعض السوبرماركت للتأكد من التزامها الاسعار المناسبة.
كما قام عناصر من الأمن العام - استقصاء مرجعيون وبنت جبيل بجولة على محطات الوقود في تبنين، عديسة، ميس الجبل، حولا، بليدا، الطيبة ومركبا، للتأكد من عدم احتكار المواد وبيعها حتى نفاد الكمية تحت طائلة تسطير محاضر ضبط في حقّ المخالفين.
تزامناً، سيّرت شعبة المعلومات - الأمن القومي في الأمن العام، دوريات على محطات المحروقات في قضاء بنت جبيل، وقامت بقياس كميات المحروقات الموجودة في مخازنها، وأجبرت المحطات الممتلئة على تعبئة البنزين للمواطنين تحت اشراف عناصر هذه القوى وتنظيمها، منعا للفوضى والاحتكار، ما انعكس ارتياحا بين الأشخاص المصطفين امام المحطات في طوابير طويلة، حيث لمسوا فرقا جديا في تعامل المحطات معهم.