بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 تشرين الأول 2021 12:04ص الطائفة السنيّة أقوى من أقزام السياسة

حجم الخط
ما يجري في هذا العهد من مخالفات دستورية، وممارسات لأعراف سلطوية، يفوق كل التوقعات، ويُنافس روايات جميس بوند وأفلام هتشكوك وقصص الكاتبة الشهيرة أغاتا كريستي!

ان يطلب رئيس الجمهورية التعرف على بعض الشخصيات المرشحة لدخول الحكومة، يبقى أمراً وارداً، رغم عدم وجود نص دستوري على هذه الخطوة التي أراد بها «الرئيس القوي» التأكيد لجمهوره بأنه يُشارك في تأليف الحكومة.

 أما أن يطلب فخامة الرئيس من المرشحين من الطائفة السنيّة بالتحديد، أن يُقابلوا صهره النائب جبران باسيل، فهذه مخالفة دستورية صريحة، بل هي خروج على كل الأعراف والممارسات المسؤولة. وهي تصرف مستنكر ومرفوض وطنياً وسياسياً إيضاً، ولا سابقة له، لا قبل الطائف حيث كان رئيس الجمهورية يتمتع بصلاحيات شبه مطلقة، ولا حصل مثل هذا الشطط في العهود التي توالت بعد الطائف.

 ثمة تفسيرين لهذا التصرف الشاذ من قبل أهل الحكم:

الأول: أن رئيس الجمهورية ليس قادراً وحده على إدارة دفة الحكم، واختار صهره ليساعده في خطوات تشكيل الحكومة، والتعرف على بعض الوزراء الجدد قبل تعيينهم، ومثل هذه الخطوة تضرب مبدأ الفصل بين السلطات، وتُعيد إلى الأذهان مشاهد حكم الحزب الواحد في البلدان الخاضعة لدكتاتوريات الأقلية، أو حتى للرئيس الديكتاتور.

 الثاني: ولعله الأسوأ، لأنه يشكل محاولة وقحة لفرض نوع من الوصاية على خيارات رئيس الحكومة المكلف بالنسبة للوزراء السنّة، وبالتالي إخضاع رئيس الحكومة لضغوط إرهاب سياسي وسلطوي من قبل فريق رئيس الجمهورية، بهدف الهيمنة على القرار الحكومي، تماماً كما حصل مع حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى في هذا العهد، إثر التسوية الكارثية التي أوصلت العماد عون إلى بعبدا.

 نرفض القول بأن ما حصل هو إذلال للطائفة السنّية، لأن هذه الطائفة الأولى حجماً، وفي مدى الإنتشار على إمتداد الوطن، أكبر من أن يستطيع أحد من أقزام السياسة أن يتطاول عليها في هذا الزمن الرديء. وإذا كانت الطائفة السنيّة في أزمة مرحلية، وتعاني من الإحباط في السنوات الأخيرة، نتيجة ضعف القيادة ورهاناتها السياسية الفاشلة، لهذا لا يعني أنها لقمة سائغة للإستسلام لأي طرف سياسي، أو أن بمقدور جماعة العهد إخضاعها ودفعها إلى التخلي عن دورها الفاعل وطنياً، أو التعرض لمكانتها التاريخية في المعادلة اللبنانية.

 على أغرار السلطة والسياسة أن يقرأوا التاريخ جيداً، ليعرفوا الأدوار المشهودة التي قامت بها الطائفة السنيّة في حسم خيار قيامة لبنان الكبير، ثم في حماية الوحدة الوطنية والعيش الواحد بين اللبنانيين، والإبتعاد عن العنف ولغة القوة القاهرة في تسوية الخلافات، وإعتماد لغة الحوار والإعتدال في إيجاد الحلول المناسبة للأزمات المعقدة، فضلاً عن الحفاظ على عروبة لبنان وتحييده عن محاور الصراعات في المنطقة.

 ليست المسألة أن وزراء حزب الله وأمل والحزب الإشتراكي والمردة لم يرتكبوا مثل هذه الخطيئة وحسب، بل الأهم أن أحداً لم يتجرأ على الطلب منهم، أو من مرجعياتهم الحزبية ذلك،وإستدراجهم لإرتكاب مثل هذه الموبقة السياسية، لإدراك رئيس الجمهورية وفريقه بمضاعفات مثل هذه التصرفات الشاذة، والخارجة عن كل الأعراف والنصوص الدستورية، وخاصة صلاحيات رئيس الجمهورية، التي أصبحت مثل حكاية إبريق الزيت.

 ما قام به الوزراء السنّة، الأغرار في لعبة السياسة وأساليبها القذرة، لا يتحملون مسؤوليته وحدهم ، بل إن المرجعيات التي تهاونت في الدفاع عن كرامة التمثيل السنّي، وسمحت بمثل هذه المقابلات المهينة، تتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية هذا التصرف غير المبرر وغير المسؤول.

 لا ينقص الحكومة الميقاتية التعرض لمثل هذه الإنتهاكات، فالأوضاع العامة لم تساعدها في الحفاظ على الرهانات الإيجابية التي أعقبت ولادتها، والتطورات في سوق النقد، وفي تجدد أزمة المحروقات، وإستمرار العتمة في طول البلاد وعرضها، إستنزفت الكثير من طاقاتها ورصيدها، في الداخل كما في الخارج، لدرجة أن المنسق الفرنسي لمساعدات مؤتمر سيدر إضطر للحضور شخصياً إلى لبنان والإجتماع مع الوزراء المعنيين بخطط الإصلاح والإنقاذ، للإطلاع منهم مباشرة على ما أعدوه من مشاريع لإخراج البلد من النفق المظلم، ولكن انطباعاته الأولى لم تكن مشجعة، وشعر بكثير من القلق من المسار الحالي المتعثر لمحاولات الإصلاح.

 غير أن المشكلة تكمن في أن أحداً لم يعتبر كيف أن هيمنة باسيل على قرارات حكومتي الحريري الأولى والثانية، قد أدت إلى إخفاقات لا تُعد ولا تُحصى، وساهمت في إنتشار سرطان الفساد بشكل علني وسافر وغير مسبوق، وأفسح المجال في النهاية إلى إندلاع إنتفاضة ١٩ تشرين ٢٠١٩ ، وإنزلاق البلد إلى نفق العجز والإفلاس.

 والمفارقة أن الرئيس نجيب ميقاتي كان أشد المنتقدين لملابسات تلك المرحلة الحريرية، والأكثر واقعية في وصف نتائجها الكارثية على البلد، وعلى الحريرية السياسية.

 وصح ما توقعه الرئيس الذي يجمع العديد من الصفات المميزة.