بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 تشرين الأول 2019 06:02ص «اللقاء المشرقي»: المؤتمر یُقرأ من عنوانه ( 2-2)

إستحضارٌ للإرهاب «السني» وتسویق لمنطق إیران وحلف الأقلیات

المشاركون في اللقاء المشرقي يتوسطهم الرئيس عون بين الوزير باسيل والنائب الفرزلي (تصوير: دالاتي ونهرا) المشاركون في اللقاء المشرقي يتوسطهم الرئيس عون بين الوزير باسيل والنائب الفرزلي (تصوير: دالاتي ونهرا)
حجم الخط
یسعى المنظمون للمؤتمرات الحواریة أن یقدّموا صورةً براقة من خلال مشهد إحتشاد الشخصیات المشاركة، وهذا ما یحاول أعضاء «اللقاء المشرقي» القیام به من خلال حملاتهم الإعلامیة للتسویق لمؤتمرهم الذي یحمل عنوان «لقاء صلاة الفطور - الحوار نهج حیاة وطریق سلام - اشكالیات التعدّدیة والحریة».

حاول المنظمون الإیحاء بأن مؤتمرهم منفتح ولیس محاولة لتظهیر حلفٍ سیاسي أقلوي في المنطقة، كما یقول الأمین العام لـ«اللقاء المشرقي» حبیب افرام: «لسنا في حلف مع أحد ونرفض كلمة الأقلیات، بل نكنى بأسمائنا من شیعة وسنة وأكراد وكلدان وكردي ودرزي وأشوري ضمن الخانة الوطنیة.

 لكن مطالعة أسماء المؤسسین للقاء المشرقي ونزعاتهم الفكریة وإنتماءاتهم السیاسیة، یجعل تصدیق كلام أفرام صعباً، الأشخاص یعطون هویتهم للمبادرات.

 نشرَ «اللقاء المشرقي» على حسابه عبر وسائل التواصل، التعریف به على أنه «مؤلّف من المجموعة الفكریة التي كانت لصیقة بالعماد میشال عون وعُرفت بخلیّة السبت، وهي مكوّنة من سبع شخصیات: وزیر الخارجیة جبران باسیل، نائب رئیس مجلس النواب إیلي الفرزلي، وزیر شؤون رئاسة الجمهوریة سلیم جریصاتي، الوزیر السابق كریم بقرادوني، سفیر لبنان في واشنطن سابقا عبد لله بو حبیب، رئیس الرابطة السریانیة حبیب أفرام ومستشار رئیس الجمهوریة سابقا جان عزیز. وقد عیَّن رئیس الرابطة السریانیة حبیب افرام أمینًا عامًا للقاء، والمستشار السیاسي السّابق لرئیس الجمهوریة جان عزیز أمیناً للصندوق.

 رئیس الجمهوریة میشال عون، یتموضع في محورٍ قوامه الأقلیات في المنطقة، وهو خاض معاركه المتتابعة في إطار الهویة المسیحیة، التي یحاول جعلها الآن مشرقیة لتبریر هذا التحالف وإیجاد مساحةٍ وخصوصیة به، وتصویره في موقع الزعامة العابرة للحدود.. بل إن الرئیس عون ذهب إلى روسیا لیطلب من رئیسها فلادیمیر بوتین الإستمرار في «حمایة الأقلیات المسیحیة في المشرق».

 أما وزیر الخارجیة جبران باسیل، فإن سلوكه السیاسي یكفي لیعطي فكرة كافیة عن توجهاته السیاسیة، بعد أن تحوّل إلى أكثر السیاسیین إثارة للجدل، وكاد أن یشعل حرباً أهلیة في الجبل، وعطل إلتحاق الناجحین في مباریات الخدمة المدنیة على أساس طائفي فاضح، وشجع البلدیات التي یرأسها موالون له على طرد المسلمین ورفض البیع والتأجیر لهم.. في تصرفاتٍ هدفها الأساس الإنقلاب على الطائف والدستور بخلفیة طائفیة.

 وبناء على هذه التشكیلة، وما تقدّم من عناوین وتفاصیل، یبدو المؤتمر وكأنه من «تجلیات» جبران باسیل «الثقیلة»، حیث یراهن على إبراز نفسه «زعیماً مسیحیاً» عابراً للحدود، وبأدوارٍ متنامیة.

 ویبرز بین الأسماء أیضاً، نائب رئیس مجلس النواب إیلي الفرزلي، صاحب الأدوار المتجددة في لعبة التناقضات الطائفیة، وصاحب قانون الإنتخاب الأرثوذكسي، الذي بقي ركیزة القانون النسبي المشوّه، وما أدى إلیه من كوارث تضرب عمق النسیج الوطني اللبناني..

 أما وزیر شؤون رئاسة الجمهوریة سلیم جریصاتي، الآتي من خلفیة الدفاع عن المتهمین بجریمة إغتیال الرئیس الشهید رفیق الحریري، فإنه المنظر للكثیر من عناوین الإستهداف لإتفاق الطائف ولأفكار الإلتفاف على الدستور، ولوسائل تجویفه والقضاء على مفاعیله، وهو طبّق ذلك خلال وجوده وزیراً للعدل ویستكمله الآن من موقعه الحالي.

 ویحضر الوزیر السابق كریم بقرادوني، الرئیس الأسبق لحزب الكتائب زمن الوصایة السوریة، والمتعمّق في العلاقة بالنظام السوري، والواقف خلف الطروحات الإستكمالیة الصادرة عن العهد في المجال الداخلي والمواقف الخارجیة.

 كذلك، یكفي إستكمال إستعراض بقیة المؤسسین للقاء المشرقي (سفیر لبنان في واشنطن سابقا عبد لله بو حبیب، رئیس الرابطة السریانیة حبیب أفرام ومستشار رئیس الجمهوریة سابقا جان عزیز)، لندرك أننا أمام مجموعة متشدّدة، تحمل طروحاتٍ طائفیة وسیاسیة متطرفة، وتتعاطى مع المحور الإیراني بشكلٍ من أشكال «الإلحاق» السیاسي.

< نقاش في الخلفیات والمنطلقات

من خلال إستقراء العناوین یبدو الهاجس الأساس المضمر هو إشكالیة الأغلبیة السكانیة المكونة للمشرق، وهم المسلمون السنّة، حیث تفرض هذه العناوین الهواجس حول كیفیة الحفاظ على التنوع، وكأن أهل السنّة هم الذین یهدّدون هذا التنوع، بینما هم في الواقع تحوّلوا إلى ما یشبه الأقلیات في سوریا والعراق ولبنان، نتیجة طغیان المحور الإیراني، وهم باتوا یحتاجون إلى حمایة من إجتیاحات المیلیشیات الطائفیة، بعد أن سلّط علیهم هذا المحور تنظیم «داعش» ومشتقاته، لیدمرهم من الداخل، ولیكون ذریعة لضربهم من الخارج.

 یتحدث المنظمون عن إعتبار التنوع في المنطقة مسؤولیة عالمیة، وفي هذا تناقض مع المسار الشخصي والجماعي لهؤلاء على المستوى السیاسي، فالمؤسسون یتبنون خطاب المحور الإیراني في العلاقة مع المجتمع الدولي، وینحازون إلى إیران ویسوّقون لنظریاتها المذهبیة للسیطرة على المنطقة العربیة، فكیف یمكن فهم هذه المقاربة التي تتناقض مع ممارسات الأعضاء؟

< الإصرار على إستحضار الإرهاب

أما النقطة الأخرى التي تثیر الإستفزاز لدى شریحة كبیرة من المتابعین، فیتمثل في الإصرار على إستحضار عنوان الإرهاب، رغم أنه أصبح عنواناً باهتاً بعد هزیمة تنظیم «داعش» وإنحسار مخاطر التنظیمات المتطرفة عن لبنان والمحیط، في ما یبدو أنه إصرارٌ من المنظمین على وصم شریحة من اللبنانیین بالإرهاب، وتجاهل موجات العنف الهائلة التي تتعرض لها الحواضر السنیة الكبرى في المنطقة، وما یتعرضون له من قمع وإضطهاد في لبنان.

 یطرح المنظمون عنوان كیفیة مكافحة الإرهاب.

 والسؤال هنا: ما هو الإرهاب؟ هل هو إرهاب المجموعات المتطرفة كما یحاول البعض حصر تعریف الإرهاب به.. أم هو إرهاب الدولة الذي مارسه ویمارسه نظام الأسد بالإبادة الجماعیة والتهجیر، وتمارسه میلیشیات إیران وحرسها الثوري في الداخل الإیراني ضد المعارضین، وفي العراق حیث تبطش بالسنة والشیعة ممن یعارضون ولایتها على حدٍ سواء، أم هو إرهاب الحوثیین في عدوانهم على الشعب الیمني وعلى الجوار؟؟ هل یعترف المنظمون بوجود إبادات في سوریا قام بها النظام؟؟ وكیف یفسرون تحالفهم مع أصحاب هذه الممارسات؟ أم أن مقتضیات التنوع تستوجب حصول هذه الإبادات لیرتاح من یحمل شعور الأقلیات، كما سبق للأسد أن أعلن عن المجتمع «المتجانس»؟؟ وهل یدرك المنادون بالتنوع أي تغییرٍ سكاني حصل في سوریا بعد التهجیر الواسع الذي طال أهلها من القصیر والقلمون إلى الحسكة ودیر الزور، حیث تحتشد المیلیشیات الإیرانیة لفرض التشیع على السكان.. هل یعتبر المنظمون أن نظام بشار الأسد دیمقراطي وغیر إلغائي لیخصصوا لمفتیه كلمة في مؤتمرهم وهو صاحب الدعوات الشهیرة لإبادة المعارضین في حمص وحلب وغیرها؟؟ لا نعتقد أن إدارة صلاة (إسلامیة)، ولا إدارة صلاة (مسیحیة) یكفیان لإعطاء الهویة الحقیقیة للمؤتمر. صحیح أن رئیس الرابطة السریانیة حبیب افرام، قال إنه لم یتحدث مطلقاً عن الحمایة او عن الاقلیات. لكن العناوین والمنطلقات والمحاضرین الرئیسیین في المؤتمر هم أقلویون في هویاتهم السیاسیة، ولجأوا إلى الحمایة من حزب مسلح وقعوا معه ورقة تفاهم للوصول إلى الحكم، وهذه وقائع لا یمكن أن یطمسها نفي أو حدیث افرام عن الوحدة الوطنیة والمساواة والمواطنة وحقوق الانسان وحقوق كل جماعة وحریاتها وحقوقها.

< لماذا تحتاج إیران «المسیحیة المشرقیة»؟

یشكل نشاط «اللقاء المشرقي» من مؤتمرات وشبكة علاقات، ضرورة للمحور الإیراني، سیعمل على تضخیمه وتوسعة نطاقه على مستوى المنطقة، لیتحول إلى واجهة مسیحیة في الشرق لهذا المحور، كما شكّل التیار الوطني الحر الغطاء المحلي لـ«حزب لله» وأعطى تحالفاته الصبغة الوطنیة، في حین أن واقع الحال یفید بأن الحزب تمكن من تحویل التیار إلى نسخة (مسیحیة) من الأحزاب الإیرانیة.

 في أوساط «المسیحیین المشرقیین» تتصاعد نغمة حتمیة إنتصار المحور الإیراني، وباتت هذه المقولة راسخة لدى كل المنتمین إلى هذا التیار، وبالتالي فإن المنطقي والمتوقع أن یشكل المؤتمر الذي تنظمه عملیاً مجموعة على علاقة وثیقة بالتیار الوطني الحر، منصة لتسویق هذا التوجه، فالمؤتمر یُقرأ من عنوانه ومن طبیعة الخطباء فیه.

 الواضح في كل هذا السیاق أن هویة لبنان المتجسدة في الشراكة الإسلامیة المسیحیة، والنسیج الذي بُني علیه لبنان، بات مهدداً، ومؤتمر «اللقاء المشرقي» ترجمة وإنعكاس لهذا الإجتیاح الذي یحاول إبتلاع لبنان، بإحیاء مارونیة سیاسیة مشوّهة وأقلیات سیاسیة أخرى، مشروعها ضم لبنان إلى إطار جمهوریة ولایة الفقیه!