حريصا - نالسي جبرايل يونس
اطلق مؤتمر «لبنان وطني» اعماله في بيت عنيا حريصا، بتنظيم ودعوة من العميد النائب شامل روكز، في حضور الوزير السابق زياد بارود، المحامي ميشال قليموس، رئيس تحرير «اللواء» صلاح سلام، رؤساء طوائف روحيين وسفراء دول كبرى ورؤساء جامعات وجمع من الاكاديميين وأهل العلم والاختصاص وشخصيات سياسية واقتصادية واجتماعية.
ودعا روكز لإطلاق مبادرة وطنية لتقديم الحلول واسترداد الدولة، وقال «أمدُّ اليد إلى الثوار الحقيقيين لنسعى معا لتحقيق ما يبغون». وتميّز اليوم الاول للمؤتمر، بحلقته الحوارية الدستورية القانونية التي أدارها سلام حول النظام السياسي اللبناني. وتناول فيها مع ضيفيه المحامي ميشال قليموس موضوع الثغرات الدستورية في الدستور اللبناني، ومع الوزير السابق زياد بارود موضوع اللامركزية الادارية.
روكز
استهل المؤتمر بالنشيد الوطني ثم عرض فيلم وثائقي عن لبنان بين الأمس واليوم، ثم كلمة افتتاحية للنائب شامل روكز اطلق خلالها «النقاش لبلورة رؤية سياسية يمكن الاعتماد عليها نتيجة حالة الفشل التي وصل اليها لبنان بفعل نظامه القائم بعيد فشل ثورة 17 تشرين، رغم مشروعيتها واحقية مطالبها، في تقديم اي مشروع بديل عن المشروع الحالي الذي اظهر عجزه التام».
واعتبر ان المؤتمر يهدف الى محاولة مقاربة العقبات القائمة التي تمنع مسيرة قيام الدولة فعلياً «بفعل الفساد الذي ينخرها» وطرح حلول عملانية.
وقال روكز «الحرية تعرف طريقها الى النور، ونحن نرفض الافلاس السياسي والعصابة الحاكمة التي أطبقت على البلد». واضاف: «نمد اليد الى الثوار الحقيقيين.. نريد قضاءً حرا دون مقايضة.. نرفض الاهداف الانتخابية الرخيصة.. نريد تطهير وعصرنة الادارة لخدمة الشعب في دولة مدنية ذات نظام مالي شفاف.. نريد سياسة صحية تضمن كرامة المواطن، واغتنم الفرصة للتوجّه الى الأمم المتحدة ومنظمة الصحة لانقاذ لبنان من الازمة الصحية القائمة.. نريد نظاما تربويا يخلق مواطنين صالحين.. نريد الانفتاح والتعاون مع الدول العربية دون وصولية.. نريد العبور الى دولة الدستور والقانون والقضاء العادل.. نريد العبور الى بر الامان.. الى لبنان المساحة الانسانية والانفتاح على الشرق والغرب لا لبنان ارض تقزيم الاصلاح وقتل الطموحات».
وتابع روكز قائلا «نحن، في لقاء لبنان وطني، أردنا للقائنا هذا أن يشكل رفضا للرضوخ للواقع الكئيب الذي أرغمونا على الوصول إليه، وأن يؤسس لمبادرة وطنية تكون خشبة خلاص من النفق المظلم، نقطة مضيئة وفسحة من الأمل لتقديم الحلول الناجعة لاسترداد الدولة والنهوض بها على أسس سليمة. نعم، لقاؤنا هو انتفاضة بوجه واقع أليم، وتأكيد على أننا لن نرضخ لمصير أكرهونا على القبول به. هو لقاء للبدء بالعبور إلى دولة المؤسسات الناضجة والمتمكنة، ذات نظام ديموقراطي يصونه دستور يحاكي تطلعات اللبنانيين، فيه فصل واضح للسلطات، وتعاون جدي في ما بينها، ويتمتع بقضاء مستقل ومقدام، وإدارة عصرية، وسياسة خارجية فاعلة تعيد للبنان تألقه ومركزه في المنطقة والعالم، وجيش قادر على حمايته، واقتصاد منتج، وبيئة نظيفة، وشبكات أمان صحية وغذائية واجتماعية مستدامة».
أضاف: «تعالوا لنبدأ بتحقيق حلمنا بلبنان، ولنعبر معا لمرحلة انتقالية طال انتظارها، تخرجنا من معاناتنا وتعبر بنا إلى بر أمان ننشده جميعا. فلبنان الذي نحلم باستعادته من المغتصبين، هو مساحة إنسانية، وأرض للتلاقي والحوار، لا أرض انغلاق وتقوقع وعداوة. أرض الانفتاح على الشرق والغرب، ومغتربونا دليل ساطع على طموحاتنا التي لم تعرف حدودا يوما، لا أرض تقزيم الأحلام وقتل الطموحات. أتمنى لنا جميعا نقاشات غنية ومفيدة، تعطينا ما نستنير به على طريق الخلاص».
وختم «أختم، مستعيدا ما قلته يوما في سنة 2019 مستشهدا بالأديب الفرنسي Victor Hugo «حين تعيق مستقبل شعب، تكون الثورة». فاستمروا أنتم بإعاقة طموحاتنا، والعبث بكرامة الشعب والوطن، واحتقار دماء شهداء أروت ترابه، وأنا أعدكم أن الثورة آتية».
سلام ومحور النظام السياسي
وشهد اليوم الاول من المؤتمر ورش عمل تناولت محاور عدة ابرزها: محور النظام السياسي اللبناني، وتضمّن حلقة عن الثغرات الدستورية في الدستور اللبناني أدارها رئيس التحرير صلاح سلام، الذي شكر في مداخلته روكز الذي نظّم مؤتمرا حول لبنان.
وقال سلام في مداخلته «الحديث عن النظام السياسي اللبناني هو أشبه بالكلام عن المسلسلات التركية والمكسيكية، التي تختلط فيها الأدوار، وتتشابك فيها التطورات، ويضيع في نهايتها الأبطال، والنهايات تبقى معلقة للحلقات المقبلة!».
اضاف: «في الواقع لا يمكن الكلام عن النظام السياسي اللبناني قبل عهد المتصرفية، رغم وجود الإمارات اللبنانية المتناثرة على الجغرافيا الجبلية والساحلية، والتي بقيت أسيرة اعتبارات طائفية وعائلية ضيقة».
واشار الى ان «النظام السياسي لعهد المتصرفية لم يضع اللبنة السامة لنظام الطائفية البغيضة وحسب، بل شرّع، ولاول مرة في تاريخ لبنان الحديث، التدخل الدولي في الشأن اللبناني، والذي أصبح لاحقاً مساراً مقبولًا ومتكرراً حتى في عهود الإستقلال».
وقال: «مائة سنة مرّت على ولادة لبنان الكبير، وما زالت علة النظام الاساسية هذه السوسة التي تحولت إلى سرطان طائفي تنهش في جسم الوطن، وتقضم مقومات الدولة، وتجد سوقا مزدهرة لها في الخطابات السياسية الشعبوية.
لقد إحتل شعار شد العصب الطائفي أو المذهبي مكان الخطاب الوطني، وطرد كل تفكير بالبرامج الإصلاحية والإنمائية، وأسقط ثقافة الإنتماء للوطن ولدولة المواطنة.
لقد تحوّل النظام السياسي الديموقراطي البرلماني في لبنان إلى نظام طائفي يتركز حول الزعامات الطائفية والمذهبية التي احتكرت تمثيل الطوائف، والمتاجرة بحقوقها الطبيعية لمصالحها الأنانية والفئوية، وإمعاناً في السيطرة والإستئثار وإلغاء الخصم السياسي حتى داخل الطائفة الواحدة».
واعتبر سلام انه «ليس صحيحًا الكلام عن أن اتفاق الطائف والدستور المنبثق عنه كرّس الطائفية والمذهبية، ويكفي أن نذكر مقدمة الميثاق التي أكدت بأن «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك»، ثم أكد في نصوصه الأخرى على الدوائر الإنتخابية المختلطة والتي تُحقق الانصهار الوطني، لا التباعد الطائفي والمذهبي الذي كرسه قانون الإنتخابات الحالي، وفاقم بين التناقضات والحساسيات بين المكونات اللبنانية، وحتى داخل الطائفة الواحدة».
وتابع «لن أتكلم عن بعض الثغرات في دستور الطائف بوجود العلامة الدستوري الأستاذ الكبير ميشال قليموس، فهل يُفتى ومالك في حضرتنا. ولكن أكتفي بالقول أنه لولا إتفاق الطائف لاستمرت الحرب العبثية في لبنان سنوات أخرى، دون تبيان أي بصيص نور في نهاية الأفق. أما قانون الانتخابات الحالي فقد حكم على على نتائجه الناس عندما رفعوا شعار «كلن يعني كلن»، وتكرار التجربة الإنتخابية على قاعدة هذا القانون الهجين، وهو قضاء على أية محاولة إصلاحية حقيقية للولوج إلى دولة المواطنة، الأمل الاساسي والوحيد للشباب اللبناني بوطن يستحق البقاء والنهوض من كبوته».
وختم «لن أتكلم أكثر عن قانون الإنتخابات الأمثل بوجود رائد التطور والإصلاح الانتخابي معالي الوزير زياد بارود الذي كانت له تجربة نموذجية ورائدة في إنتخابات عام ٢٠٠٩، شهد الجميع بنزاهتها وحسن إدارتها، وخاصة وأنها أنجزت الإنتخابات في كل الدوائر في يوم واحد، لأول مرة بعد إتفاق الطائف».
مداخلات لبارود وقليموس
ثم ناقش سلام مع ضيوف حلقته موضوع صلاحيات رئيس الجمهورية بين الصفة الدستورية والصفة الوطنية. وكان جواب المحامي قليموس انه بعد الطائف اصبح رئيس الجمهورية هو الحكم. وقال: «الحكم يصلح لملعب رياضي بينما على رئيس الجمهورية ان يكون حارس الدستور وفق صلاحيات لا تتعارض مع صلاحيات رئيسي مجلس النواب والوزراء او السلطة القضائية».
واعتبر قليموس ان تحصين الدستور يكون بتعميق الثقة في ظل النصوص الخاضعة لتوازن وأعراف القوى السياسية التي تحوّلت الى مخالفة للدستور باسم الوفاق الوطني.
المشاركون: خلود قاسم، حاتم ماضي، غالب محمصاني، جان العليّة وغسان مخيبر (تصوير: محمود يوسف)
وهنا اعتبر قليموس ان رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة وليس رئيساً ضمن الرؤساء. واضاف الرئيس هو حامي الدستور وهو ملزم باتخاذ قرارات واضحة وصريحة بعيداً عن مصلحة اي جهة او حزب لأنه رئيس جميع اللبنانيين.
كما تمنى قليموس ان تكون هناك الية دستورية صريحة لممارسات رئيس الجمهورية تسمح له بممارسة دوره.
وفي هذا الاطار، اعتبر الوزير بارود ان صلاحيات رئيس الجمهورية يجب ان تعلو الصلاحيات الاخرى وان مرجعيّتي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة محكومتان بالاتفاق ولا أحد يمكنه فرض تشكيلة كاملة للحكومة.
واضاف: رئيس الجمهورية «حكم بدون بطاقة»، ولذلك «يلعب الشباب كما يريدون».
كما استعرض سلام مع ضيوفه مسألة الفيدرالية كمشروع قابل للحياة، وكان رد الوزير بارود ان اللامركزية السياسية هي فيدرالية انما اللامركزية الادارية هو مشروع تمّت مناقشته واقراره في عهد الرئيس ميشال سليمان ويمكن اعادة النظر به لان مشروع اللامركزية حصل على شبه اجماع وطني يومذاك.
وعرض بارود مقاربة لمشروع اللامركزية الادارية الذي يرتكز على صلاحيات كافية مرتبطة بموارد مالية وعلى توسيع صلاحيات البلديات واتحادات البلديات ومجالس القضاء مع اعادة النظر بالمحافظات.
ورغم عدم معارضته طرح الفيدرالية كنظام حكم تساءل بارود عن جدوى هذا الطرح وتماهيه مع التنوّع الثقافي والفكري والجندري في لبنان.. وتساءل هل الفيدرالية مطروحة اليوم لضرب اللامركزية؟ واستكمل مؤكدا ان ازمة لبنان الحقيقية هي في السياسة الخارجية والسياسة الدفاعية.
ورش عمل
وعُقدت جلسة ثانية بادارة خلود وتار قاسم محورها بنية الدولة اللبنانية. وتضمنت حلقات عن مكافحة الفساد وتكوين السلطة التشريعية وقانون الانتخابات، والادارة اللبنانية الممارسة والرقابة، والسلطة القضائية تحدث فيها كل من: النائب السابق المحامي غسان مخيبر، البروفسور غالب محمصاني، د. جان العلية، والرئيس حاتم ماضي.
وتناول المحور الثالث الاستراتيجية الوطنية بادارة الاعلامي جان عزيز.
وتضمنت حلقات عن السياسة الخارجية اللبنانية وترسيم الحدود والاستراتيجية الدفاعية، وتداخل فيها كل من الوزير السابق ناصيف حتي ود. عصام خليفة والعميد د. كميل حبيب.
ويستكمل المؤتمر حلقاته الحوارية اليوم مع المحور الرابع حول الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي في جلسة بادارة شارل عربيد. ويتضمن عرض تقرير ماكينزي مع الوزير السابق رائد خوري وموضوع الطاقة مع د. كريستينا ابي حيدر، وموضوع الامن الصحي مع د. وليد حرب.
ويتناول المحور الخامس الاصلاح المالي والنقدي والمصرفي يتحدث فيه النقيب السابق لخبراء المحاسبة د. امين صالح ود. مايك عازار.
وستصدر في ختام اعمال المؤتمر توصيات مع خريطة عمل قابلة للتنفيذ. والى صوغ توصية سياسية سيطلقها النائب روكز في مؤتمر صحافي يعقده قريباً لهذه الغاية.