لم يختلف المشهد في قصر بعبدا أمس عن مشاهد الأيام الماضية: مشاورات، حركة، لقاءات، اتصالات، اما العنوان الوحيد والأوحد فهو «أزمة إعلان استقالة الرئيس سعد الحريري». لكن الجديد بعد تكرار خطوة التريث في بت الاستقالة، تدرّج الموقف الرئاسي من هذا التريث ليصل إلى ما أعلن في الساعات الماضية بشكل صريح عن قلق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من ظروف وضع الرئيس الحريري في الخارج، وهذا الشعور دفع بالرئيس عون إلى توجيه دعوة للسفراء العرب والأجانب للقائه والبحث معهم في الأزمة الحاصلة والطلب منهم المساعدة في عودته. فكيف تفسر مصادر قصر بعبدا هذا القلق، وتحرّك الرئيس عون لإبداء هذا الموقف؟
تؤكد هذه المصادر لـ«اللواء» ان اسبوعاً مرّ منذ الاتصال الأخير بين رئيس الجمهورية والرئيس الحريري السبت الفائت، ومنذ ذلك اليوم ضُخت كمية من الروايات المتناقضة حول وضعه وكان لا بدّ من توضيح ما يجري.
وتقول المصادر: الرئيس الحريري يستقبل السفراء، فلماذا لم يبادر إلى الاتصال بالرئيس عون، ولماذا لا يعود إلى بيروت إذا كان فعلاً يملك الحرية؟ وتُشير إلى ان اللقاء الذي عقد أمس بين الرئيس عون والسفراء في قصر بعبدا تناول الاتصالات التي يجريها رئيس الجمهورية والتواصل اليتيم الذي تمّ بينه وبين الرئيس الحريري.
ومعلوم ان عدّة دول ارادت معرفة حقيقة الأمر، ولذلك كانت التوجهات بالمشاركة في المشاورات الرئاسية.
وتوضح ان رئيس الجمهورية طلب من السفراء المساهمة في عودة الرئيس الحريري إلى بيروت حتى يتاح المجال لتكوين الموقف والاطلاع منه على الظروف التي أملت عليه هذه الاستقالة على ان تتقرر بعدها الخطوة التالية.
وتكرر المصادر القول ان رئيس الجمهورية حريص على كرامة رئيس الحكومة الذي يتمتع بحصانة دولية ممنوحة له وفق القانون الدولي، وهي حصانة مطلقة غير قابلة للنقاش ولا يمكن نزعها، فرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الخارجية والسفير يتمتعون بها، فالسفير إذا اقدم على خطأ يُبعد ولا يحتجز، مشيرة إلى ان الرئيس عون قلق نظراً لوجود ظروف غير طبيعية تحيط بوضع الرئيس الحريري.
وتسأل المصادر ذاتها: كيف يمكن ان يتم تصريف الأعمال ورئيس مجلس الوزراء موجود خارج البلاد، وكيف يمكن إصدار القرارات والمراسيم؟ لافتة إلى ان الرئيس الحريري يمثل طائفة ومكوناً اساسياً في البلاد، ولا يمكن بالتالي لرئيس لجمهورية التساهل في الموضوع، كما ان استمرار غيابه يؤدي إلى جوٍ مؤذٍ قد يعهد إلى افتعال مشكلة.
وتكشف ان الرئيس عون تحدث بالمعطيات التي يملكها امام السفراء الذين سيعدون مراسلات خطية إلى دولهم حول الموضوع.
وعندما تسأل مصادر قصر بعبدا عن إمكانية اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي حول قضية غياب الحريري، تجيب: لا يمكن استباق الأمر، لكن هناك اتصالات دولية تواكب الجهود الرئاسية، فتحرك الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لا يأتي من فراغ، كما ان المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم موجود في الخارج لهذه الغاية، وهناك اتصالات أجراها وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل وهو سيواصلها، وإن كان لم يُعلن عن هذه الاتصالات، باعتبار انه أمر متروك لوزير الخارجية بطبيعة الحال.
وتفيد المصادر ان اللقاء الذي جمع الرئيس عون والقائم بأعمال السفارة السعودية في لبنان وليد البخاري وحضره الوزير باسيل لم يكن عاصفاً.
وتُشير إلى ان الرئيس عون لفت نظره إلى المعطيات التي يملكها وطالب بعودة الرئيس الحريري بعدما جاءت طريقة الاستقالة بشكل غير مقبول، ورد القائم بالأعمال قائلاً: بإمكان الحريري العودة ساعة يشاء، عارضاً على الرئيس عون ان يتوجه الوزير باسيل إلى المملكة العربية السعودية للقاء الحريري، الا ان وزير الخارجية لم يعلق على هذا العرض.
وتؤكد المصادر ان رئيس الجمهورية تحدث كذلك عن التهديدات التي يسمعها وتثير القلق وتخلق جواً غير سليم.
وتوضح ان الرئيس عون قال كل شيء امام السفراء وركز على الوحدة الوطنية على ان تبقى مشاوراته مفتوحة، ويصدر في اعقابها موقف على الارجح.
ولم تشأ مصادر سياسية مطلعة رسم صورة مستقبلية، لكنها اشارت إلى ان الوضع في لبنان يقع في صلب المتابعة الدبلوماسية الخارجية، وأن بيان مجموعة الدعم الدولية للبنان الصادر في أعقاب اللقاء مع الرئيس عون تناغم مع المطالبات الداخلية بعودة رئيس مجلس الوزراء إلى بيروت، وهذا أمر يجدر التوقف عنده.
وجاء في البيان: «عبّر أعضاء مجموعة الدعم الدولية عن قلقهم المستمر حول الوضع والغموض السائد في لبنان. وناشدوا إبقاء لبنان محميا من التوترات في المنطقة. وفي هذا الاطار، شددوا على أهمية استعادة التوازن الحيوي لمؤسسات الدولة اللبنانية الذي هو ضروري لاستقرار لبنان. وفي إشارة إلى الانجازات السياسية الايجابية خلال العام الماضي، حث أعضاء المجموعة كافة الأطراف على مواصلة العمل من أجل مصالح لبنان الوطنية.
وأشاد أعضاء مجموعة الدعم الدولية بقيادة الرئيس عون في الدعوة إلى الهدوء والوحدة. ورحبوا بالخطوات المتخذة لاحتواء الأزمة السياسية ولحماية وحدة البلد واستقراره وسيادته وسلامة أراضيه. وفي هذا الاطار، رحب أعضاء مجموعة الدعم الدولية بدعوة رئيس الجمهورية إلى عودة الرئيس حريري إلى لبنان.
وتضامنا مع لبنان، أعاد أعضاء المجموعة تأكيد التزامهم بدعم لبنان وقيادته وشعبه خلال هذه الفترة الصعبة».
مجموعة الدعم
وكان الرئيس عون استقبل قبل ظهر أمس، في حضور الوزير باسيل سفراء مجموعة الدعم من أجل لبنان في مجلس الأمن وهم: السفير الروسي الكسندر زاسبكين Alexander Zasypkin، السفير الصيني وانغ كاجيان Wang Kajian، السفير الفرنسي برونو فوشيه Bruno Foucher السفير البريطاني هوغو شورتر Hugo Shorter، سفيرة الولايات المتحدة الاميركية اليزابيت ريتشارد Elizabeth Richard، سفير المانيا مارتن هوث Martin Huth السفير الايطالي ماسيمو ماروتي Massimo Marotti، نائب ممثلة الامين العام للامم المتحدة فيليب لازاريني Philipe Lazzarini، سفيرة الاتحاد الاوروبي كريستينا لاسن Christina Lassen وممثل جامعة الدول العربية السفير عبد الرحمن الصلح.
ووزع مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية بعد انتهاء الاجتماع المعلومات الرسمية الآتية:
«عرض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على السفراء اعضاء مجموعة الدعم من اجل لبنان في مجلس الامن، موقف لبنان من التطورات الاخيرة بعد اعلان رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري استقالة الحكومة من الخارج، والملابسات التي رافقت هذا الاعلان ومنها ظروف بقاء الرئيس الحريري خارج لبنان. واعاد الرئيس عون التأكيد على ان بتّ هذه الاستقالة ينتظر عودة الرئيس الحريري والتأكد من حقيقة الاسباب التي دفعته الى اعلانها.
وفي هذا السياق، عبّر الرئيس عون عن قلقه لما يتردد عن الظروف التي تحيط بوضع الرئيس الحريري وضرورة جلائها، مذكرا اعضاء المجموعة بالاتفاقات الدولية التي ترعى العلاقات مع الدول والحصانات التي توفرها لأركانها. وطمأن الرئيس عون السفراء الى وعي القيادات اللبنانية وتضامنها في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان وحرصها على تعزيز الوحدة الوطنية، وقد ساعد ذلك في المحافظة على الاستقرار الامني والمالي في البلاد.
وتحدث لازاريني منوهاً باسم الدول الاعضاء في المجموعة بالجهود التي بذلها رئيس الجمهورية لضبط الاوضاع التي نشأت بعد إعلان الرئيس الحريري استقالته، مؤكداً تأييد الدول الاعضاء لموقف الرئيس عون من كل جوانبه. وشدد لازاريني على أن المجموعة الدولية تدعم سيادة لبنان واستقلاله وأهمية الوحدة الوطنية فيه.
ثم تحدث السفراء اعضاء المجموعة فرداً فرداً، فأكدوا لرئيس الجمهورية التزام بلدانهم بالموقف الموحد للمجموعة، منوهين بطريقة معالجة الرئيس عون للأزمة وموقفه منها، كما جددوا تأييدهم للبنان ودعمهم له واستعداد بلدانهم للمساعدة في ايجاد الحلول المناسبة للأزمة الراهنة».
الى ذلك، استقبل الرئيس عون القائم بأعمال السفارة البابوية في لبنان المونسينيور ايفان سانتوس Ivan Santos وأطلعه على موقف لبنان من التطورات المرتبطة بظروف إعلان الرئيس الحريري عن استقالته من الخارج، وطلب منه ابلاغ المسؤولين في الكرسي الرسولي الموقف اللبناني.
السفراء العرب
وأجرى الرئيس عون بعد ذلك سلسلة لقاءات منفردة مع سفراء الدول العربية المعتمدين في لبنان، في حضور الوزير باسيل، وأبلغهم خلالها الموقف من التطورات التي استجدت بعد اعلان الرئيس الحريري استقالته. وفي هذا الاطار استقبل الرئيس عون القائم بأعمال السفارة السعودية في بيروت وليد بخاري وابلغه أنه من غير المقبول الطريقة التي حصلت فيها استقالة الحريري. وطالب الرئيس عون بعودة رئيس مجلس الوزراء الى لبنان.
ثم التقى الرئيس عون تباعاً سفير الامارات العربية المتحدة حمد عبد الله الشامسي، سفير مصر نزيه علي النجاري، سفير الاردن نبيل المصاروة، سفير قطر علي بن حمد المري، وسفير سوريا علي عبد الكريم علي.
واستقبل بعد الظهر على التوالي، سفراء: العراق علي العامري، وسلطنة عمان بدر بن محمد المنزري، وفلسطين اشرف دبور، والجزائر احمد بوريان، وتونس كريم بودالي، والمغرب امحمد كرين، واليمن عبد الله عبد الكريم الدعيس والسودان علي صادق علي.
وابدى السفراء «حرص بلادهم على الاستقرار والامن في لبنان»، وأبدوا تقديرهم «للجهود التي يبذلها رئيس الجمهورية من اجل الخروج من الازمة السياسية، التي يشهدها البلد حاليا».
واستقبل الرئيس عون قبل ظهر أمس في قصر بعبدا السفيرة اللبنانية في جمهورية الصين الشعبية ميليا جبور عشية مغادرتها لتسلم مهامها في العاصمة بكين وزودها بتوجيهاته متمنياً لها التوفيق في مسؤولياتها الجديدة.