بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 كانون الثاني 2023 06:07م روجيه اده: تاريخ لبنان معلّق

حجم الخط
كتب رئيس حزب السلام اللبناني المحامي روجيه اده مقالا بعنوان "تاريخ لبنان معلّق" جاء فيه:

الشعوب اللبنانية تختلف في السياسة على الشاردة والواردة، ولا يجمعها سوى حب الحياة، والتفاؤل بالعجائب، رغم "بؤسويتهم" المُفرطة، وإدمانهم البكاء على الأطلال!

منذ تساقط الانهيارات على رؤوسهم، ينتظرون العجائب من انتخاب رئيس الجمهورية، إذ يعيشون بآن واحد إزدواجية، حالة نكران الحقائق اللبنانية التي يخشون البوح بها، والإيمان ان مجرد انتخاب رئيس الجمهورية، ينقذ لبنان، ويفتح خزائن الأمم لبعثه حياً من تحت الرماد، طائر فينيق ميتولوجي يحلّق في السماوات، ويستلذ الحياة في القبوات!

لذا، يتعين علينا التذكير، بما آلت اليه الحقائق اللبنانية وما نحن بصدده من تحديات مصيرية.

أولًا، لو كان واردًا انتخاب رئيس الجمهورية من مرشحي المنظومة المعلنين وغير المعلنين، لكان انتُخب سليمان فرنجيه ب٦٥ صوتًا على الأقل، لأنه المرشح الوحيد القادر على تأمين الأكثرية المطلقة، من أعضاء مجلس النواب الأحياء، دون كلمة سر إقليمية او دولية! ويكفي عندئذٍ، ان يقرر رئيس المجلس، مباشرة التصويت في الدورة الثانية، التي لا تتطلب أكثرية الثلثين، ويعتبر النصاب قائمًا، حتى لو انسحب من جلسة الانتخاب عددًا يخفض الحضور الى اقل من ثلثين.
اما قائد الجيش فلا يمكن انتخابه بأقل من ثلثي أصوات النواب الأحياء، حتى في حال صرف النظر، لا دستوريًا، عن تعديل الدستور مُسبقاً، مثلما حصل حين انتخاب الرئيس ميشال سليمان، بحيث شاء من شاء، أن يسلط عليه خلال عهده، "سيف ديمومكليس" الطعن بدستورية انتخابه!

نوضح هذه التفاصيل، لنؤكد ما توقعناه وصارحنا فيه سفراء الدول العظمى والإقليمية، المعنيين بمصير لبنان، حين اكدنا لهم وفي الإعلام، تكراراً، اننا لا نتوقع ان يُنتخب رئيس الدولة اللبنانية في اي قريبٍ منظور.

لماذا كانت وما برحت توقعاتنا ان انتخاب رئيس الجمهورية، قد لا يحصل، قبل عامين او ثلاثة!؟

أولًا، أضحى واضحًا انه، منذ إنتخابات ١٩٨٨ التي كنت مرشحًا لها، الإستحقاق الرئاسي يُستعمل من أجل تعديل الصيغة الميثاقية اللبنانية، بعد ان استُعمل عام ١٩٧٦، لفرض الدور الأمني السوري في لبنان! حينها ريمون اده، رفض الشرط الأميركي هذا، فكانت الرئاسة من نصيب الرئيس الياس سركيس.

عام ١٩٨٨، علّقت الانتخابات الرئاسية، حتى "إتفاق الطائف"، عام ١٩٨٩، وانتخاب الرئيس رينيه معوض في مطار القليعات، ثم اغتياله في بيروت على طريق الاونسكو في فردان حيث الامن السوري كان مسيطراً، سيطرة مطلقة! ثم انتخب الياس الهراوي، وبقي الصراع بين لبنانين، لبنان "المناطق الحرة"، و"لبنان الأمن السوري! ولم يطبق من إتفاق الطائف، سوى ما شاء الرئيس السوري حافظ الاسد، أن يطبقه!

عام ١٩٩٢، بعد مرور عامين على تطبيق استنسابي لإتفاق الطائف، لم يُحصَر حمل السلاح بقوى الدولة الذاتية، ولم ينفذ الرئيس الأسد إلتزامه إعادة الإنتشار خارج جبل لبنان وبيروت، تمهيدًا للخروج من كامل لبنان، لاحقًا. إستُعيضَ عن عدم تنفيذ هذين الشرطين الرئيسيين، بما سُمي، تفاهم س.س. سوريا-السعودية، بحيث غضت واشنطن النظر، مستمهلةً الرئيس السوري، لتنفيذ تعهداته الى جيم بايكر، وزير خارجية جورج بوش الأول، لقاء ان يكون رئيس الجمهورية خيار الرئيس الأسد، ورئيس الوزراء خيار الملك فهد، الذي اختار رفيق الحريرى.

موّلت المملكة العربية السعودية، بسخاء منقطع النظير، كل من سوريا ولبنان، ظنًا منها انها ستربح وفاء وصداقة البلدين. وحقاً، استفاد كل من البلدين، بمرحلة إستقرار وازدهار!
لكن، بعد وفاة حافظ الأسد عام٢٠٠٠، ونمو حزب الله قوةً عسكرية نافذة في لبنان، وفي العلاقات الثنائية بين امين عام الحزب نصرالله، والرئيس بشار الاسد، بدأت تصعب العلاقات بين رفيق الحريري وبشار الاسد، حتى تدهورت جديًا، بعد ٢٠٠٣ وانتشار جيوش جورج بوش الابن في العراق، ومباشرة الضغوط لتنفيذ القرارات الدولية التي تعني تحرير لبنان، وتطبيق كافة مندرجات إتفاق الطائف، من حصر السلاح بالدولة، وإعادة الانتشار. ومع اقتراب استحقاق الرئاسة اللبنانية عام ٢٠٠٦ كان اغتيال الرئيس رفيق الحريرى، وإخراج القوات السورية من لبنان، وإخراج سمير جعجع من السجن، وعودة ميشال عون الى لبنان، ثم انتخاب ميشال سليمان المقبول سورياً وأميركيًا، لقيادته حرب مخيم نهر البارد.

إنتخاب ميشال عون انتظر طويلًا، ولم يكن ليكون، لولا تفاهم معراب، وانتظام المنظومة، وما سبق من غزوة بيروت وتيار المستقبل، واتفاق الدوحة، واهتمام واشنطن بمواكبة إستقرار لبنان وتحييد همومه!

اليوم، المعطيات الدولية، والإقليمية، إختلفت تماماً، بعد تداعيات الثورات العربية، والحاجة لتنظيم كل من سوريا ولبنان، دون اهمال العراق واليمن!

ثم، إتجاه العالم العربي للتطبيع مع إسرائيل، ثم عقد إتفاقيات السلام الإبراهيمي معها، مع ما يترتب عن ذلك من تقارب استراتيجي لمواجهة العدو المشترك في إيران، التي تمددت في المشرق العربي، عبر فيلق القدس وميليشياته التي اهمها حزب الله اللبناني.

الإستحقاق الرئاسي اللبناني يأخذ بالتالي أهمية تأسيسية في لبنان، وفي سوريا، على الاقل. ويتأثر بما يعني المحيط، والغرب، من مخزون الغاز والنفط، في البحر، والبر!

وما هو حاصل في إيران ان لجهة الثورة الايرانىة، او لجهة علاقات إيران بروسيا، وبالحرب الاوكرانية، ودورها في العراق واليمن!

والتفاهم الروسي التركي في سوريا، على حساب اي دور لحزب الله في سوريا.

ومسألة التطبيع على الحدود البحرية والبرية مع إسرائيل منذ تعهد علنًا حزب الله بضمان أمن التنقيب الاسرائيلي نفطاً وغاز، ووو هذا فضلًا عن الجديد، منذ تأليف حكومة ناتنياهو، والاتجاه للتطبيع والسلام الأكثر شمولًا من السلام الإبراهيمي، بين إسرائيل والرياض.

هذه، معطيات جديدة تحدث، وتتطور، بينما الدولة اللبنانية تتحلل، وليس من منزعج من تحللها، لا دوليًا ولا إقليميًا، بل العكس هو الصحيح. لذلك، نقول ونردد، ان استحقاق رئاسة الجمهورية، ينتظر ان تستقر المعادلات الجديدة، على واقع جديد، يُبت بمصير لبنان على ضوئه!

هذا قد يتطلب الثلاث أعوام المقبلة. لذا، لا نتوقع اكثر من استمرار ما نحن عليه، من لا دولة، لا رئيس، لا حرب، مساعدات الى المؤسسات، العامة، والخاصة، التي تُبقي لبنان على الحياة، والاستقرار، مع انحسار الدولة وتقليص دورها، على ما لا بديل عنها، في تأديته من أدوار!

الرئيس المقبل للجمهورية اللبنانية،يتعين ان لا يكون حزبيًا، بل فوق الحزبيات والفئويات، يتمتع بالقدرة على ايحاء الثقة، انه فعلًا، نزيه ومجرّد عن الدنيويات، يفهم دوره تأسيسيًا، على صعيدي الصيغة الوفاقية، وإعادة بناء الإقتصاد، عبر قدرته على إيحاء الثقة بكفاءةٍ اكيدة، وأخلاق فوق الشبهات!

أب صالح، لأمةٍ تعددت عائلاتها.