يعرب رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي عن أسفه لطغيان عنصر التشاؤم وهواية النعي المستمرة للبلد، ورغم يقينه ان الازمات غير مسبوقة والمواطن غير قادر على تحملها، فهو لا يبرىء احدا من تحمل المسؤولية، ويعلم يقينا ان الوضع صعب وغير مريح، ولكن يضفي نوعا من التفاؤل المشوب بالحذر حين يقول ان لبنان محمي بمظلة دولية، ممسوك وممنوع ان يقع، هو ما استنبطه من خلال مروحة اللقاءات والمشاورات التي اجراها في مؤتمر المناخ في غلاسكو، وفي الفاتيكان، او خلال الاتصالات التي اجراها ويجريها وليس آخرها مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، او الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وعلى اكثر من جبهة داخليا وخارجيا.
وفي لقاء مكاشفة مع مجلس نقابة المحررين، يؤكد ميقاتي «ان وجود حكومة اليوم افضل من عدمه»، وقالها صراحة «لن اكون سببا في مزيد من التشرذم والخلاف», فهل تحل الاستقالة الازمة او الازمات، ليرد على المصوبين على مرمى الصلاحيات بالقول: «امارس صلاحياتي على اكمل وجه، من خلال عدم الدعوة لمجلس الوزراء، لأقطع الطريق على وصول الامور الى الحائط المسدود، فالاستقالة اهون الحلول ولكنها في المقابل اكبر الشرور، وقد تعتبر تحديا او تؤدي لتأجيل الانتخابات».
وفي وقائع اللقاء الحواري مع مجلس النقابة برئاسة النقيب جوزيف قصيفي في السراي الحكومي»، وردا على سؤال قال الرئيس ميقاتي:«إن التعاون تام بيني وبين رئيس الجمهورية، والكلام عن خلافات هدفه تأجيج التوتر السياسي في البلد، وكذلك الامر فالعلاقة مع الرئيس نبيه بري لا تشوبها شائبة , والتواصل معه مستمر لايجاد حل لموضوع استئناف جلسات مجلس الوزراء. وعلى صعيد الحكومة فان معظم الوزراء يعملون بجدية وكفاءة ونحن نتعاون كفريق واحد».
وحول بالاتصال الذي جرى بين الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي وبينه قال:«كان الاتصال جيدا وفتح آفاقا جديدا للعلاقات»، ولقد تم الحديث عن اتفاق على صندوق معيّن للمساعدات بين فرنسا والسعودية عبر الجمعيات والمؤسسات الانسانية .
وعن الانتخابات النيابية قال:«نحن في صدد اتخاذ كل التدابير لاجراء الانتخابات قبل 21 ايار 2022 ليكون لدينا مجلس نيابي منتخب مع الأخذ بعين الاعتبار ما هو وارد في القانون الساري المفعول. وسندعو الهيئات الناخبة مطلع العام الجديد.اما تاريخ اجراء الانتخابات فهو مرتبط حتما بما سيصدر عن المجلس الدستوري في شأن الطعن المقدّم بقانون الانتخاب.
وحول زياراته الى الخارج قال:«إن الهدف من كل الزيارات واللقاءات التي اقوم بها الى الخارج هو الحفاظ على حضور لبنان على الخارطة الدولية,وهذا ما قمنا به في مؤتمر المناخ في غلاسكو حيث عقدت الكثير من الاجتماعات، واتفقت مع الامين العام للامم المتحدة على ان يزور لبنان، وهو سيصل الى بيروت الاحد. كما قمت بزيارة الى الفاتيكان واجتمعت بقداسة البابا وفوجئت بسرعة تحركه لدعم لبنان حيث اجرى فور انتهاء اللقاء اتصالا بشيخ الازهر الإمام الأكبر أحمد الطيب واتفقا على تفعيل تحرك الجمعيات الاسلامية والمسيحية لدعم لبنان. وفي خلال زيارتي لمصر وجدت لدى الرئيس عبد الفتاح السيسي كل دعم سياسي، وفي ما يتعلق بإمداد لبنان بالغاز المصري،وقريبا ستكون لي زيارات خارجية أخرى في الاطار ذاته. كذلك الامر في الزيارات البناءة التي قمت بها الى الاردن والعراق حيث وجدت كل دعم ومؤازرة للبنان.
ثم انتقل ميقاتي الى ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت وقال: منذ اليوم الاول قلت واكرر ان الحكومة لا شان لها بأي أمر قضائي، وعلى القضاء أن يتخذ بنفسه ما يراه مناسبا من اجراءات، وايضا عليه تنقية نفسه بنفسه. لا يمكننا أن نتدخل في عمل قاضي التحقيق او استبداله، وفي الوقت ذاته هناك نصوص دستورية واضحة تتعلق بدور وعمل المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء يجب تطبيقها, واذا اتخذت الهيئة العامة لمحكمة التمييز قرارا يتطابق مع هذا النص الدستوري نكون قد وضعنا الملف على سكة الحل، ويكمل قاضي التحقيق عمله بشكل طبيعي، كاشفا انني « أبلغت مجلس القضاء الاعلى, بواسطة وزير العدل, اني ساوقع التشكيلات القضائية فور ارسالها الي».
وفي تطرقه الى مسالة أموال المودعين يؤكد ان :الرأسمال الاساس للودائع المصرفية والفوائد المحقة ستعود الى اصحابها ضمن خطة زمنية يتم الاتفاق عليها بين الجهات المعنية . حاليا الوضع صعب ولكنه ليس مستحيلا، وكل مواطن في النهاية سينال حقه، هناك 28 مليار دولار تم تحويلهم من الليرة الى الدولار بعد السابع عشر من تشرين الاول 2019, وليس مقبولا ان يطبق عليهم الاجراء ذاته الذي سيطبق على الودائع التي جمعها الناس بعرق السنين وتعبها. منذ العام 2014 وحتى 2017 تم رفع 47 مليار دولار كفوائد للمودعين.
واوضح ان : هناك سلسلة من الاجراءات التي تتخذ لمعالجة تقلب سعر الصرف, بما يتيح الانتقال الى اجراءات محددة لمعالجة تداعيات التراجع في سعر الليرة وفق اسس واضحة .
وانتقل الى الملف الاقتصادي ليعلن ان «الحكومة تتعاون حاليا مع صندوق النقد الدولي سعيا للتوصل الى اقرار برنامج للتعافي الاقتصادي، وكذلك فهي تتعاون مع البنك الدولي في الكثير من المشاريع. صحيح أن هناك أراء ووجهات نظر متعددة داخل اللجنة المكلفة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، لكن بالتاكيد ليس هناك خلاف، كما يشاع في بعض الاوساط، ونحن نعقد اجتماعات يومية تمتد لساعات , وقريبا سنتوصل الى اتفاق نهائي مع صندوق النقد.
اما عن موضوع التقديمات الاجتماعية فيشرح:«لقد تسجّل حتى يوم أمس على المنصّة الخاصة ببرنامج العائلات الأكثر فقرا 239 الف شخص، ومن بين المسجّلين هناك 166 الف طلب تنطبق عليه المواصفات المطلوبة، ما يدل على حجم الضغوط الاجتماعية.في مرحلة اولى سيتم دفع مبلغ 125 دولارا لكل عائلة شهريا ولمدة سنة، من خلال اموال يؤمنها البنك الدولي. وهناك ايضا موضوع البطاقة التمويلية التي ستعتمد المنصة ذاتها للتسجيل وهي تغطي أكثر من 500 الف عائلة، وقد اتفقنا مع البنك الدولي على أنه فور البدء بتنفيذ مشروع العائلات الاكثر فقرا، ودفع اعتمادات شهرين للبطاقة التمويلية بكلفة مقبولة من اموال السحوبات الخاصة الموجودة في المصرف المركزي، فان البنك الدولي سيؤمن تمويلا للمشروع لمدة سنة يقدّر نحو 500مليون دولار.
وعن الموضوعين التربوي والصحي قال : بتعاون كامل بين الحكومة والمعنيين تمكنّا من اطلاق العام الدراسي والجامعي، والبحث مستمر بشأن المطالب كلها مع ادراكنا لصعوبة الاوضاع. استطعنا تحصيل مبالغ من المؤسسات الداعمة, لدفع مبلغ 90 دولاراً اضافياً لكل استاذ كبدل انتقال الى مركز العمل.اما في الموضوع الصحي فالاجتماعات متواصلة بين الوزارات والادارات المعنية، فان التوجيهات صارمة لاقفال اي محل مخالف بالشمع الاحمر فورا، ومن ثم استكمال الاجراءات في القضاء. موضوع الكورونا دقيق جدا, وقد طلبنا من المستشفيات ابقاء عدد محدد من الاسرّة شاغرا لمواجهة اي تطوّر في اعداد الاصابات.
واعلن ان «ادوية الامراض المزمنة والمستعصية باتت متوافرة لدى مراكز الرعاية الصحية التابعة لوزارة الصحة في كل المناطق, وبدأ البحث مع البنك الدولي لتنفيذ بطاقة صحية خاصة بالامراض المزمنة.
وفي الملف الاكثر جدلا – اي الكهرباء- اكد رئيس الحكومة السعي : بكل جهد لزيادة ساعات التغذية الى اكثر من 10 ساعات، قبل نهاية السنة, ولكن واجهتنا عرقلة طارئة بعد اتمام الاتفاق بشأن استيراد الغاز المصري، وهي تتعلق بوجود عطل كبير على مسافة 11 كيلومتر من انبوب الغاز الذي يربط سوريا بلبنان, ويحتاج اصلاحه الى 6 اسابيع عمل,ولكن الاتفاق مع الشركة التي ستقوم بالتصليحات سيتم بالتراضي ويحتاج الى موافقة مجلس الوزراء. وقد اتصلت بفخامة الرئيس للبحث في امكان اصدار موافقة استثنائية تمهيدا لبدء العمل، وهو في صدد درس الموضوع. استجرار الكهرباء من الاردن فسيبدأ في الاسبوع الاول من كانون الثاني المقبل. أما سائر المشاريع المتعلقة بتوليد 2000 ميغاوات كهرباء لكل لبنان على مدى 18 شهرا, فهي مرهونة باجراء اصلاحات ضرورية على القطاع لوقف الهدر وضبط ادارته من خلال الحوكمة والشفافية واجراء التدقيق اللازم في الحسابات واعادة النظر بموضوع التعرفة مع الحفاظ على تعرفة مقبولة لصغار المستهلكين، اضافة الى انتظام الجباية وشموليتها».
وعن الاصلاحات الادارية قال: لقد فتحنا موضوع المجالس والهيئات القائمة وعددها 125, وساقترح في اول جلسة لمجلس الوزراء الغاء عدد منها، في اطار الاصلاحات الواجبة .
وتطرق ميقاتي الى المشككين باتفاق الطائف, ليقول:«لا يزال الاطار الصالح للبنان شرط تطبيقه كاملا . ربما صار مطلوبا عقد طاولة حوار للبحث في حسن تطبيقه واستكمال تنفيذه، وليكن الحوار بنية طيبة, لا سيما في البندين الاساسيين اللذين باتا حاجة ملحة وهما موضوع اللامركزية وقانون الانتخاب. وفي هذا الاطار أنا أؤيد اي طرح لامركزي شرط الحفاظ على الوحدة وخصوصية كل طائف ومكّون لبناني.
وفي سؤال حول الاساءة الاخيرة للبحرين، وقرار ترحيل المعارضة البحرينية, ختم :صحيح أن حرية التعبير والرأي مصانة بموجب الدستور, ولكن هناك قانون واضح يتعلق بالحرية المسؤولة وبعلاقات لبنان الخارجية . لا يمكن أن يكون منصة للاساءة الى اي بلد خصوصا الدول العربية الشقيقة.
وكان النقيب قصيفي ألقى في بداية اللقاء كلمة قال فيها:«نعرف انكم ووجهتم في مرحلة إقلاع حكومتكم بصدمات سياسية من العيار الثقيل أفضت إلى ما هي عليه اليوم من حال شلل تبعث على الخوف من غد مجهول، غامض المعالم. كما نعرف انكم تعانون كثيرا جراء هذا الواقع، وتسعون لكسر هذه الحال التي ضربت طوقا حديديا يحتاج إلى توافق، ولو بالحد الادنى، لانتزاع لبنان من براثن الفوضى والفقر والافقار، وتفكك الدولة وانهيارها. وأن المهمات الملقاة على عاتقكم، كبيرة ومرهقة. عسى أن يوفقكم الله في مواجهة العواصف العاتية بشعار مع الشراع لا مع الريح.
وعرض قصيفي للمطالب الاعلامية، تشريعيا وماليا، على ان ترسل لاحقا في كتاب الى رئاسة مجلس الوزراء.
وخلال استعراضه بانوراما الوضع, سياسيا وامنيا واقتصاديا واجتماعيا، يحسم الجدل «فالحكومة رغم ذلك «عم تشتغل والاجتماعات متواصلة، وتقوم بدور لبنان على الخارطة الدولية، صحيح ان الوضع المالي اليوم قد يساوي صفرا، ولكن – وبهدوئه المعهود يضخ بين الحاضرين جرعة تفاؤل «فالودائع ستعود الى المودعين مهما تأخرت، والانتخابات حتما ستحصل في أيار، ودعوة الهيئات الناخبة رهن بقرار الطعن امام المجلس الدستوري في ما خص موضوع المغتربين.
اما قضائيا، وخلال تبيانه مكامن الخطأ في ما يحصل اليوم لا سيما في موضوع التحقيق في تفجير المرفأ، يضع رئيس الحكومة الاصبع على الجرح «الحل بفصل السلطات والتزام الدستور (وهنا يذكر ان المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء هو المرجع الدستوري الصالح للنظر بكل ما يخص هؤلاء)، وعدم تدخل السياسيين بالقضاء، ليخلص الى التاكيد على ان اتفاق الطائف هو الاطار الصالح للتطبيق اليوم في لبنان، ولكن ما نقوم به نحن كله يندرج عكس الطائف.
اما في رده على ما قاله رئيس الجمهورية حول ان الحوار لينجح اليوم بحاجة لتغيير المتحاورين فيقول بجدية «ان شاء الله الجيل الجديد سيكون افضل في التحاور بشكل ايجابي.
وشبه ميقاتي ما يحصل بمن اضاع امرا في عتمة الظلام ويبحث عنه في مكان آخر «لان في ضو»، ليقول بدلا من انتقاد الاخرين لنقوم نحن بالاصلاحات المنشودة، ليدخل من باب الازمات المتوالية مع دول الخليج وآخرها البحرين وموضوع استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي ليحسم الجدل « المهم ان لا يكون لبنان منصة لمحاربة الاخرين وخصوصا الدول العربية، فنحن واد نشرب من الجبل ولسنا في مزرعة سياسية، ليوصف ما يحصل من خلال استذكار ما درسناه في كتب التربية «حريتك تنتهي عند حرية الاخرين، بعد ان وصله خبر عبر احد المواقع انه تبلغ من النائب وائل ابوفاعور – العائد من الرياض - اجواء سلبية من السعودية، فاعرب عن استيائه قائلا:«من اين هذا الكلام, لا شفتوا ولا شافني»، ليتابع لا نريد كم الافواه ولكن عبر مجلس النقابة اوجه مطلبا الى الاعلام بتحمل المسؤولية ومراعاة الظروف.