العالم يتغيّر بسرعة غير عادية، بل وغير مألوفة في نمط التطور الحضاري والثقافي الذي عرفناه في المئة سنة الأخيرة.
ولعل توقف إذاعة bbc البريطانية يؤكد ظاهرة التغيرات المتلاحقة في العالم بوتيرة تُحاكي التطورات المتسارعة في العصر الألكتروني، وما أصبح يُعرف بالمرحلة الخامسة في العالم الإفتراضي.
غياب إذاعة bbc باللغة العربية، يعني طوي صفحة شاهد ناشط على الأحداث التي إجتاحت العالم العربي، منذ أواسط الثلاثينات، وظهرت خلالها دول، وسقطت في تفاصيلها أنظمة محافظة، لتقوم على أنقاضها إنقلابات عسكرية، إدعت التقدمية، وتسلحت بشعارات الحرية والعدالة الإجتماعية، وذهب بعضها إلى الإشتراكية والشيوعية، دون أن يدرك أن البنية الإجتماعية في بلاده لا تتحمل مثل تلك المغامرات المتهورة.
لقد كانت bbc عربي، بمثابة مدرسة في الأداء الإعلامي، على مستوى رفيع من المهنية، وتمتعت بإنتشار مميز في الفضاء العربي، وشكلت لفترة طويلة مصدر أخبار ومعلومات للتطورات السياسية والإقتصادية والثقافية في الدول العربية من المحيط إلى الخليج.
وكانت التقارير السياسية التي يبعث بها المندوبون المنتشرون في العواصم العربية والأجنبية، مصدر معلومات مهمة لتكوين رأي عام حول القضايا الساخنة، والأزمات المعقدة، برصانة وموضوعية، سادت سنوات طويلة، قبل أن توجه للإدارة الحالية تهم الإنحياز في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لمصلحة تل أبيب، حيث أصبحت مصداقية «البي بي سي»، موضوع جدل وتشكيك في الأوساط العربية، وساهم في تراجع إنتشارها وإنخفاض عدد مستمعيها بنسب ملحوظة.
توقف البث العربي في الإذاعة البريطانية العريقة يطرح من جديد مسألة الإستثمار العربي في الإعلام الغربي، على غرار ما يجري حالياً على مستوى الأندية الكروية الأوروبية، حيث ثمة غياب شبه كامل للمواقف العربية من القضايا الملحة، بدءاً من الصراع العربي الإسرائيلي، وصولاً إلى حملات الإساءة والتحريض ضد معظم الأنظمة العربية، وخاصة دول الخليج العربي.
دقات ساعات «بيغ بن» من «هنا لندن» صمتت، تاركة الأثير، على مضض، لمنصات التواصل وفضاء الأنترنيت..، فهل تكون الصحافة المكتوبة والإعلام المرئي والمسموع ضحية العالم الإفتراضي الجديد؟.
د. فاديا كيروز