بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 كانون الثاني 2020 08:59ص إنحراف الإنتفاضة لتبرير نحرها...؟

حجم الخط
ما يجري في شوارع بيروت من مواجهات كر وفر بين القوى الأمنية والمتظاهرين، وحصول إعتقالات وإصابات بين الطرفين، يشكل إساءات بالجملة: للثورة التي وصفت بالسلمية والحضارية، وللمحتجين الذي تميزوا بتصرفاتهم المسؤولة والبعيدة عن كل أنواع الشغب، والتي بقيت حريصة على الحفاظ على الأملاك العامة والخاصة، كما تُسيء لصورة الدولة والقوى الأمنية التي رسمت في البداية مشاهد لا تُنسى من ضبط الشارع بهدوء، وبأساليب بعيدة عن إستخدام القوة والعنف.

 ولعل أكثر المتضررين هم أصحاب المحلات في أسواق الحمراء ومار إلياس، الذين تعرضت مؤسساتهم لأضرار جمة، فضلاً عما لحق الشارعين من خراب في البنية التحتية، وتحول المنطقتين المحيطتين بهما إلى ساحات للمواجهة والمطاردة.

 أما الإعتداءات التي إستهدفت فروع المصارف في الشارعين وتحطيم آليات الصرف، والواجهات الأمامية، فتُعبّر عن مستوى الإحتقان الشعبي من تدابير وتصرفات إدارات المصارف تجاه المودعين، الذين باتوا يتسولون مصروفهم اليومي من البنوك، بأساليب لا تخلو من الإذلال، والتعرض للكرامات.

 مع كل التفهم لدواعي التصعيد المفاجئ من قبل الحراك ضد السلطة، وخاصة البنك المركزي والمصارف، إلا أنه لا بد من التأكيد على الفارق الكبير بين محاسبة المصارف على تدابيرها غير الإنسانية تجاه مودعيها، وبين أهمية الحفاظ على القطاع المصرفي الذي يشكل الركيزة الأساسية للإقتصاد الوطني في أنظمة الإقتصاديات الحرة، والذي كان المحرك الأساس للعجلة الإقتصادية في لبنان، على إمتداد عهود الإستقلال.

 أما الحديث عن اللجوء إلى «العنف الثوري» في إطار التصعيد ضد السلطة المماطِلة في تشكيل الحكومة، والتجاوب مع مطالب الإنتفاضة، فلا يعني، ولا يجب أن يعني، التعرض للأملاك العامة والخاصة بالتكسير والتخريب، أو أي نوع من «فشات الخلق»، لأن مثل هذه التصرفات الهوجاء، وغير المسؤولة، تشوه صورة الإنتفاضة الوطنية الشاملة والنقية، وتُلحق أفدح الأضرار بأصحاب المحلات، الذين معظمهم يعتبرون من ذوي الدخل المحدود، وجزء لا يتجزأ من الحراك .

 إختراق صفوف المتظاهرين أحتمال وارد، بل هو حاصل، مما يستدعي أقصى درجات الحذر والوعي، حتى لا تتعرض الإنتفاضة في بداية شهرها الرابع إلى الإنحراف المسلكي والأمني، لتبرير نحرها في الأيام المقبلة!