الصيدليات مُقفلة، المستشفيات مستنكفة عن إجراء العمليات الجراحية، أقسام الطوارئ تعمل بأقل من نصف طاقتها، والمرضى حائرين بأمرهم في ظل غياب كامل للسلطات الصحية عن معالجة الأزمات المتراكمة في القطاع الصحي.
بالمقابل، مستودعات وكلاء الأدوية طافحة بكل الأصناف والأنواع، تجار المعدات الطبية يخفون البضائع بحجة عدم توافر الدعم المالي، تجار الأوكسجين والأمصال يقننون تسليم الكميات للمستشفيات، والمختبرات تشكو من عدم توافر المواد اللازمة للاستمرار في خدمة زبائنها.
تسمع حكايات عن مستوى انهيار النظام الصحي في البلد، وكأنك في بلاد الماو الماو. مريض لم يتمكن من تركيب «راسّور» في قلبه لعدم توافره في المستشفى الذي يُعالجه، فاضطر طبيبه إلى تأجيل عمليته مرغماً، رغم ما يحمله هذا التأجيل من خطر على صحته.
مريض اخر لم يحصل على دواء السرطان بحجة عدم توفره في مخازن الوزارة، ولا في الصيدليات، ولكن جاء من يهمس في أذنه بإمكانية حصوله على الدواء نفسه، ولكن بسعر يعادل ثلاثة أضعاف السعر العادي!
مريض ثالث تعذر عليه إجراء «مسح تصويري» لجهازه الهضمي لعدم توفر المواد الكيميائية الضرورية لكشف أسباب ما يعانيه من آلام في بطنه!
هذه نماذج من المآسي التي يعيشها العديد من المرضى تحت وطأة فقدان المواد الطبية والمستلزمات الاستشفائية، أمام عيون المسؤولين الصحيين والأمنيين المعنيين بالحفاظ على الأمن الاجتماعي.
انهيار النظام الصحي، وجرائم الإستغلال المكشوف لظروف المرضى، والتحكم في احتكار الأدوية والمستلزمات الطبية، هو نتيجة طبيعية لواقع الإنهيارات المتتالية، التي ضربت القطاعات الإنتاجية والخدماتية، وكشفت العجز المهين للسلطة الحالية التي أوصلت البلد إلى درك الدول الفاشلة، بعدما نهش الفساد كل مقومات الدولة، وأطلق العنان للسوق السوداء في مختلف نواحي الحياة المستجدة من الليرة إلى البنزين وصولاً إلى الدواء والمستشفيات!