من طرائف أجواء المعركة الرئاسية المحتدمة على أكثر من صعيد، بعد تحديد جلسة الإنتخاب الأربعاء المقبل، أن كل فريق يعتبر أن مرشح الفريق الآخر هو مرشح مواجهة وتحدٍّ، ولا تنطبق على أي منهما معايير «المرشح التوافقي»!
في حين أن القراءة الواقعية لتطورات المسار السياسي الذي أوصل إلى هذه النتيجة، تُظهر بكل وضوح، أن التباعد الحاصل بين فريقي المعارضة والممانعة في المنطلقات والأهداف السياسية، وإختلاف تفسير المفاهيم البديهية من جهة، والإنقطاع الكامل لقنوات الحوار والتشاور بين الفريقين، من جهة أخرى، قد أوصل الجميع إلى المواجهة، وخوض المعركة الإنتخابية في ساحة النجمة، بغض النظر عن التوقعات بأن جلسة ١٤ حزيران ستلحق بسابقاتها، ولن تُسفر عن إنتخاب الرئيس العتيد.
والمفارقة أننا نسمع دعوات للحوار من هنا وهناك، وخاصة من جانب فريق الممانعة، بالتزامن مع التأكيد بالتمسك بمرشحهم حتى النفس الأخير، حتى أن بعضهم هدّد بتمديد الفراغ إلى أجل غير مسمى، في حال لم يؤيد الفريق الآخر مرشحهم، أو لم يتمكن من الحصول على أكثرية ٦٥ صوتاً في الدورة الإنتخابية الثانية.
ولكن ماذا لو لم يحصل أحد المرشحَيْن سليمان فرنجية وجهاد أزعور على الأصوات المطلوبة للدخول إلى قصر بعبدا: هل نُعيد مسرحية الجلسات السابقة ومهازلها المُملّة، أم نذهب بمقتضيات الواقعية السياسية إلى البحث عن حل وسط، أو بالأحرى عن تسوية على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب»، والإتفاق على مرشح ثالث يحظى بقبول الفريقين، ويبقى فوق مستوى خلافات الزواريب السياسية الضيقة ؟
لا داعي للتذكير في كل أزمة أن لبنان، الوطن والدولة، قام على مجموعة من التسويات إختصرها بالأمس الميثاق الوطني، وكرسها اليوم إتفاق الطائف، الذي أنهى حروباً عبثية دامت خمس عشرة سنة، وأعادت البلد خمسين سنة إلى الوراء، وما زالت آثار جراحها وندوبها واضحة في الجسد الوطني.
وأثبتت التجارب أن المعادلات الدقيقة التي تحكم قواعد العيش الواحد بين اللبنانيين لا تتحمل تفرد طرف معين، سواء كان طائفياً أو سياسياً أو حزبياً، مهما بلغت قوته ومكانته، بفرض خياراته وإرادته على الآخرين، لأن توازنات المعادلة الوطنية تُصاب سريعاً بالخلل، وتضع البلد أمام مخاطر أسوأ التقديرات إحتمالاً.
فلماذا لا تقوم القيادات السياسية والحزبية بإختصار جلجلة الأكثرية الساحقة من اللبنانيين بسبب الإنهيارات المستمرة، وتُقدم على التوافق على شخصية الرئيس العتيد، ليكون عنوان مرحلة الإستقرار والإصلاح التي أحوج ما يكون البلد إليها، للخروج من قعر جهنم؟
فهل مازال ممكناً الإنتقال من المواجهة إلى التوافق؟