في 20 أيلول الفائت نالت حكومة «معًا للإنقاذ» ثقة المجلس النيابي، وخاطب رئيسها الشعب اللبناني بقوله «لا مكان للمعطّلين في الحكومة اللبنانية وسنُحمّل المسؤولية لمن يقوم بذلك ونأمل وقف الإنهيار الذي يشهده لبنان» متعهدًا بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها. كان ذلك بصيص الأمل الوحيد في خضمّ الأزمات التي أغرقت اللبنانيين، وفرصة لبلسمة جراحهم تلمّسوها من خلال تحويل المبالغ المستحقة للبنان ضمن حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي المعَدّة لتكون أصلًا احتياطيًا دوليًا مكملًا للمساهمة بدور في توفير السيولة وتكملة الاحتياطيات الرسمية للدول الأعضاء.
في 12 تشرين الأول الجاري وبعد أقل من شهر على نيلها الثقة، اجتمعت الحكومة للبحث في انتشال المواطن من أزماته الخانقة وإنقاذ الوطن من «الإرتطام الكبير»، والمباشرة بسلسلة من المفاوضات الشاقّة التي لا تحتمل الإنتظار ولو لساعة واحدة بدءًا بمفاوضات ترسيم الحدود البحرية وحفظ حقوق لبنان في ثروته النفطية، ومفاوضة صندوق النقد الدولي حول خطة إنقاذ تضع حدًّا للإنهيار الاقتصادي المتسارع في البلاد، ومفاوضة البنك الدولي حول البطاقة التمويلية التي قيل أنها ستخفّف من وطأة قرار رفع الدعم عن المحروقات وباقي السلع، ومفاوضة مصر على شروط وآلية إمداد لبنان بالغاز والكهرباء.
لكن احتكاكًا صاعقًا حصل بين مكوّناتها (على ذمّة الراوي)، عطّل جلساتها وأدخلها في شبه غيبوبة فسكتت عن حقوق لبنان واللبنانيين - والساكت عن الحق شيطان أخرس - وانزلقت البلاد ضحية السلاح المتفلت دون أن تكلّف الحكومة نفسها عناء الاجتماع لمنع تفاقم الأمور فبدت وكأنها تُشهر بوجه اللبنانيين سلاحًا من نوعٍ آخر يجسّده الفقر والكبت والتعسّف والتسلّط والقهر.
فلتتذكّر الحكومة أن كتب الأمم لا تُفتح كل يوم، وصفحات الأوطان لا تسطَر بالدم كل يوم، وعليها المبادرة سريعًا لاستدراك ما لا تُحمد عُقباه، وأن لا تذكّرنا بأحد قادة الرأي في الثورة الفرنسية بيار دو بومارشيه الذي خاطب الزعماء في حينه قائلاً: «تحسبون أنفسكم عباقرة وأي جُهدٍ بذلتم من أجل ذلك سوى أنكم تكرمتم علينا بالخروج من بطون أمهاتكم».
الحكومة التي انتظر اللبنانيون 13 شهرًا لولادتها - تسلّمت السلطة ولم تمارسها - ما زالت على قيد الحياة في السراي، لكنها لم تعد حكومة في شيء سوى في تأخير الساعة ساعة واحدة منتصف ليل هذا السبت.