بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 أيلول 2022 12:05ص السلطة المتحجِّرة والعصر الحجري.. !

حجم الخط
لم يكن ينقص البلد للعودة الكاملة للعصر الحجري غير إنقطاع وسائل التواصل، الأرضية منها والخليوية، المهنية منها والخدماتية، بحيث كاد لبنان أن ينعزل عن العالم، بعد أن تقطّعت أوصال الإتصال والتواصل بين أطرافه، بل بين مدينة وأخرى، وبين حيّ وآخر، وبينه وبين العالم أجمع.
في بلد يعيش في زمن العتمة، والظلامية السوداء في السلطة، لم يعد مستغرباً أن يُطنّش المسؤولون عن حصول الأزمة الراهنة في الإتصالات، وتوقف السنترالات الأرضية، وتباطؤ المحطات الخليوية، نتيجة إضراب الموظفين العاملين في هذا القطاع الحيوي، بسبب الإهمال المتمادي لأحوالهم المعيشية، بعد إنهيار قيمة رواتبهم، وعدم التجاوب مع مطاليبهم العادلة.
كان قطاع الإتصالات بإدارة القطاع الخاص بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهباً لأصحابها، حيث تمكن المستثمرون في هذا القطاع من جني المليارات من الدولارات في فترة قياسية، لم تتجاوز السنوات الخمس.
ولكن تسرّع الدولة في إسترداد هذا القطاع، ودفع مئات الملايين من الدولارات لأصحاب الشركات الخليوية، مقابل فسخ العقود قبل إنتهاء مفاعيلها الزمنية، كان بداية انحدار قطاع الخليوي في لبنان، بعدما إحتل المرتبة الأولى ليس في العالم العربي وحسب، بل في كثير من البلدان الآسيوية والأفريقية.
تضخّم الجهاز البشري في شركتي الخليوي أكثر من ثلاث مرات، حيث تم حشوه بالأزلام والمحاسيب، من كل الأحزاب والقوى السياسية لغايات انتخابية رخيصة، وبرواتب دولارية عالية. وتضاعفت نفقات تشغيل وصيانة محطات الإرسال عدة مرات. وتراجعت الخدمات الأساسية، وبقيت التطويرات الحديثة بعيدة المنال عن المستهلك اللبناني، فيما إرتفعت أرقام فاتورته بسرعة صاروخية، وأصبح اللبناني يدفع الفاتورة الأعلى في الدول المماثلة، دون الإستفادة من أي خدمات جديدة.
وقبل أيام برّر وزير الإتصالات رفع التعرفات، وزيادة بدل الخدمات على أنواعها، تماشياً مع إرتفاع سعر الدولار، بالحاجة إلى المال لتحسين الخدمات، ولكن ما حصل هو عكس ذلك تماماً: ما أن تم تحصيل الزيادات في الشهر الأول حتى تراجعت خدمات الأنترنيت، وساءت الإتصالات الخليوية، ونفد المازوت من السنترالات الأرضية، وأعلن الموظفون إضرابهم!
السلطة كعادتها دفنت رأسها في الرمل، وتركت إنهيار هذا الشريان الضروري للحياة اليومية يمضي على غاربه إسبوعاً كاملاً، قبل أن تكتشف «بارود» الحل، بتأمين الأموال اللازمة من إحتياطي الموازنة، ومن عائدات الإتصالات بالذات، لتلبية مطالب الموظفين وتأمين المازوت للسنترالات، وتوفير الصيانات اللازمة للخدمات الخليوية.
إنها السلطة المتحجّرة التي أعادت لبنان إلى العصر الحجري!