طوابير الذل التي تتزاحم أمام أبواب المصارف للحصول على بضعة دولارات بسعر «صيرفة»، تستعيد مشهد الطوابير التي كانت تتكدس أمام محطات المحروقات للحصول على بضعة ليترات من البنزين.
قد يكون حاكم مصرف لبنان معذوراً في اللجوء إلى «تكتيكات صيرفة» كلما هبّت رياح الدولار صعوداً، ولكن التجارب أثبتت أن «صيرفة» لا تستطيع الوقوف أمام إستمرار الإرتفاعات المتوالية للدولار، في ظل هذا الوضع السياسي المتأزم، وغياب أدنى المعالجات والإجراءات الحكومية لوقف إنهيار الليرة، وضخ بعض مقومات الحياة إلى شرايين الإقتصاد المتهالك.
عندما تم إستحداث منصة «صيرفة» كان سعر الدولار في العشرينات، وخرق سقف الثلاثينات فجأة. فكان أن لجم حركة العملة الخضراء صعوداً لبعض الوقت، وبعد تدخل مصرف لبنان في الأسواق لدعم الليرة، ومع عودة تراجع سعر الليرة أقدم البنك المركزي على تحويل رواتب الموظفين والمتقاعدين في القطاعين العام والخاص إلى الدولار بسعر «صيرفة»، ومع ذلك لم تهدأ حركة الورقة الخضراء صعوداً.
والكارثة أن المركزي أقدم على رفع سعر «صيرفة» من ٣١ إلى ٣٨ ألف ليرة مقابل الدولار الواحد، من دون الأخذ بعين الاعتبار مضاعفات هذا القرار على مستوى رواتب الموظفين التي إنخفضت عملياً بمعدل ٢٢ بالمئة، فخسروا أكثر من «خُمس» قدرتهم الشرائية، في الوقت الذي بقيت أسعار السلع والمواد الغذائية مُسعّرة على معدلات الخمسين ألفاً للدولار!
يُضاف إلى ذلك أن المحتشدين في طوابير الذل على أبواب المصارف يسعون للحصول على حُفنة من الدولارات لا تتعدى البضعة آلاف في أحسن الأحوال، في حين أن المليارات من الليرات تنهمر على المصارف من كبار المتمولين والتجار، وشركات النفط والأدوية، وأصحاب المصانع والمصالح المقتدرة، ويحققون أرباحاً فورية بمعدل يتراوح بين ١٠ و١٥ بالمئة من فارق سعر الدولار، يتولى البنك المركزي تحملها من أموال المودعين، في ما تبقى من الإحتياطي الإلزامي للمصارف.
عمليات لحس المبرد وإفقار الشعب اللبناني مستمرة «على عينك يا تاجر»، وأهل الحكم منهمكين بالمعارك الدونكيشوتية، على حساب الناس المقهورين، غير عابئين باستمرار الانهيارات والعتمة في بلد كان يوماً يُعتبر «سويسرا الشرق».