فجأة وبدون سابق إنذار، أعلنت دوائر القصر الجمهوري نهار أمس، أن فخامة الرئيس سيوجه كلمة إلى اللبنانيين عند الثامنة مساءً.
سارع اللبنانيون، إلى التسمر أمام شاشات التلفزة، بعد نهار طويل من معاناة قطع الطرقات، وحرق الدواليب والنفايات، ومواجهات في الشارع كادت تتحول إلى فتن متنقلة بين الأحياء والمناطق.
خُيّل لكثيرين أن الرئيس سيُفاجئ اللبنانيين بصيغة حل للحكومة العتيدة توقف الإنحدار، وتضع حداً للإرتفاع المستمر للدولار، وتُطلق ورشة الإصلاح، وتفتح أبواب الإنقاذ.
ولكن هذه «الأوهام» سرعان ما تبددت أمام «دعوة مصمّمة» من فخامته للرئيس المكلف بالتوجه فوراً لقصر بعبدا لتشكيل الحكومة بالتوافق معه، وإلا فليترك المجال لغيره.
صدمة الناس كانت كبيرة. لأن كلام الرئيس، بغض النظر عن عدم دستوريته، جاء بمثابة صب الزيت على نار الخلاف مع الرئيس المكلف، الذي سارع بدوره إلى الرد بلهجة نارية على الدعوة الرئاسية بترك المجال لغيره، مناشداً رئيس الجمهورية بإفساح المجال لإنتخابات رئاسية مبكرة «هي الوسيلة الدستورية الوحيدة لإلغاء مفاعيل إختياره من قبل النواب لرئاسة الجمهورية قبل خمسة اعوام، تماماً كما إختاروني رئيساً مكلفاً لتشكيل الحكومة قبل خمسة أشهر».
هذا التراشق ببيانات شديدة اللهجة بين الرئاستين، ضاعف مناخات التوتر السياسي في البلد، وفاقم أجواء اليأس والإحباط المهيمنة على اللبنانيين، بعد النكبات التي توالت فصولاً، وبلغت ذروتها في إنفجار المرفأ، ثم ما يحصل اليوم من تدهور في حياة الناس بسبب الإنهيار المستمر لقيمة الليرة، وتداعياته الدراماتيكية على مستوى معيشة اللبنانيين الذين أصبحت أكثريتهم تحت خط الفقر.
كلام عون وردّ الحريري عليه، يعني أن الحكومة العتيدة ما زالت رهينة الخلافات الرئاسية، وخلفياتها السياسية والحزبية، وأن المأساة الموجعة التي تتخبط فيها البلاد والعباد مرشحة للإستمرار فصولاً،... وأن الآتي أعظم.
لا ضرورة للتذكير بأن هذه الأجواء تؤكد العجز الفادح للمنظومة الحاكمة في إنقاذ البلد من المهاوي التي سقط فيها، الأمر الذي يثبت، من جديد، صوابية دعوة البطريرك الراعي لقعد مؤتمر دولي يتولى إنقاذ لبنان من الأزمات الوجودية التي تهدد كيان دولة، ومصير شعب !