… «مصلحة بلدي وأهلي وأحبائي هي فوق مصلحتي الشخصية، وأتمنى أن تفتح كوة في الجدار نحو علاقات أفضل مع دول الخليج»، هذه الكلمات التي وردت على لسان الوزير قرداحي في مؤتمره الصحفي، كان يمكن أن يكون تأثيرها أقوى، ومفعولها أشد قوة لو أعلنها في الأيام الأولى التي أعقبت بث المقابلة التلفزيونية الملتبسة، وما تضمنته من إساءة للسعودية والأشقأء الخليجيين.
شهر ونيّف مضى على إندلاع الأزمة، ومحاولات إقناع الوزير الأزمة بالإستقالة تدور في دوامة سياسية، تتقاذفها التيارات المتعاكسة، في ظل إصرار قرداحي على عدم الإستقالة، بحجة معارضة الحلفاء، وخاصة حزب الله، الأمر الذي أدى إلى المضاعفات الضاغطة على الوضع اللبناني، الذي يُعاني أصلاً من ضغوط الأزمات المتوالية في مختلف القطاعات الإقتصادية والمالية والصحية والمعيشية.
« لبنان أهم من جورج قرداحي، ومصلحة اللبنانيين أهم من موقعي التجاري،…لا أقبل أن أستخدم سبباً لأذية لبنان وإخواني اللبنانيين في المملكة العربية السعودية وفي دول الخليج الأخرى، وبين أن يقع الظلم والأذية على أهلي في لبنان ودول الخليج وبين أن يقع علي أنا، فضلت أن أكون أنا». لو قُدّر لقرداحي قول هذا الكلام في بداية الأزمة، لكان خرج من الوزارة مكللاً بهالة من الوطنية، ومُحاطاً بعطف شعبي لأنه آثر التضحية بمصلحته الشخصية، لحساب مصالح الوطن العليا، وحماية لمصالح اللبنانيين في السعودية ودول الخليج الأخرى.
ما ورد في بيان الإستقالة من إستعراضات وهمية، ومن إستقواء بعضلات الحلفاء، لا يخدم القضية التي استقال بسببها قرداحي، وقد لا يساعد الرئيس الفرنسي ماكرون في مهمته الصعبة بفتح ثغرة في جدار الأزمة بين لبنان والدول الخليجية، وخاصة المملكة العربية السعودية التي أوقفت صادراتها من المنتوجات اللبنانية.
كان من الممكن أن يكون الوزير المستقيل أكثر تواضعاً في حديثه عن مسببات الأزمة وإنعكاساتها السلبية، على لبنان واللبنانيين، مقيمين ومنتشرين، لإفساح المجال.