بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 حزيران 2020 07:25ص دولة «حارة كل مين إيدو إلو»..!!

حجم الخط
الضجة المفتعلة حول تصريحات السفيرة الأميركية دوروثي شيّا الأخيرة، تنطوي على أزمة ذات وجهين متباعدين: الأول ديبلوماسي، والثاني سياسي - إعلامي. وفي الحالتين ثمة إقحام للقضاء بما يُسيء لأهل العدالة، ولاستقلالية القضاء.

 في الشأن الديبلوماسي، لا علاقة للقضاء، لا من قريب ولا من بعيد في النشاط الديبلوماسي، وما يُدلي به السفراء من تصريحات ومواقف، لأنها من صلاحية وزارة الخارجية أولاً وأخيراً، وفقاً لاتفاقية فيينا الدولية والأعراف المتّبعة في العلاقات بين الدول ذات السيادة.

كيف سمح القاضي محمد مازح لنفسه اقتحام هذه الأنظمة الدولية، والخوض في مسألة هي من الحساسية والتعقيد، أبعد بكثير من مهمات وصلاحيات قاضي العجلة؟

وهل يستطيع أي قاضي إصدار قرارات ملتبسة وخارجة عن صلاحياته، من دون الرجوع إلى رؤسائه، والمرجعيات القضائية المعنية؟

وإذا افترضنا وجود خلفية سياسية للقرار القضائي الصادم، فكان من المفروض على أصحاب هذه الخلفية أن يُحرّكوا الدوائر المعنية في وزارة الخارجية، لاستدعاء السفيرة، حسب الأصول الديبلوماسية، وإبلاغها الرسالة الرسمية، عبر مذكرة احتجاج تتضمن الموقف الذي تقرره الحكومة في هذا المجال، وليس وزير الخارجية منفرداً.

ولكن يبدو أن الدولة تحوّلت في زمن التداعي والتضعضع إلى ما يُشبه «حارة كل مين إيدو إلو»!

في المسألة السياسية - الإعلامية لا يحق لأي مسؤول، سواء كان رئيساً أو وزيراً أو حتى قاضياً، أن يتخذ أي قرار مخالف للدستور، نصاً وروحاً، والحرية الإعلامية مكفولة في الدستور، وهي في صلب النظام الديموقراطي التعددي المعتمد في لبنان، وخاضت الصحافة والإعلام اللبناني عشرات الجولات مع السلطة للحفاظ على حرية التعبير، وحماية أصحاب المواقف المعارضة للسلطة.

فكيف تجرّأ قاضي العجلة في صور على إصدار قرار يُخالف القوانين وبنود الدستور ويُقيّد الحرية الإعلامية، والرامي إلى منع نشر تصريحات، أو استصراح، السفيرة الأميركية، بمثل هذه البساطة؟

إذا كانت سفيرة الدولة الأعظم في العالم تتدخل في شؤوننا الداخلية، فالرد عليها ليس من مسؤولية القضاء، ولا يُسأل الإعلام عنه، بل هي حكماً من مسؤولية القيادات الرسمية، وخاصة مجلس الوزراء، ثم وزارة الخارجية.

فماذا بقي من المبدأ الدستوري الأساسي القاضي بالفصل بين الصلاحيات، والمطالبة باستقلال القضاء؟