خيبات التحقيق المحلي في كارثة مرفأ بيروت مستمرة فصولاً على مسرح العدالة القاصرة، والتي تُدير عمليات الاستقصاء والتحقيقات بشكل إنتقائي مُلتبس، ويضرب مصداقية القضاء في الداخل وفي الخارج.
من حيث المبدأ، يجب أن يكون جميع المسؤولين، من رؤساء ووزراء ونواب وأمنيين ومدنيين، تحت سقف القانون، من دون أي تردد أو استثناء، شرط أن يكون القضاء عادلاً وجريئاً في التعاطي مع الجميع، بهدف جلاء الملابسات المحيطة بأخطر ثالث إنفجار في العالم، وأكبر كارثة يتعرض لها لبنان في تاريخه الحديث.
مذكرة الإحضار التي أصدرها المحقق العدلي طارق البيطار بحق رئيس الحكومة حسان دياب، دون غيره من كبار المسؤولين، أثارت هواجس المشككين أصلاً بقدرة القضاء اللبناني على التعاطي بقضية بحجم إنفجار مرفأ بيروت بموضوعية وفعالية، بمنأى عن التدخلات الرسمية والضغوط السياسية.
وأظهرت مذكرة البيطار مدى الوقاحة المتعمدة في التصويب على موقع رئاسة الحكومة، والذهاب بعيداً من قبل فريق العهد في استهداف رئيس الحكومة المستقيل، رداً على موقفه المعروف في رفض تلبية طلبات رئيس الجمهورية بعقد جلسات للحكومة المستقيلة.
كيف قفز المحقق الألمعي فوق كل المسؤولين الآخرين محاولاً التطاول على مركز رئاسة الحكومة؟
ألم يسمع اعتراف رئيس الجمهورية بأنه كان يعلم بوجود الأمونيوم المدمر في المرفأ، ولم يُبادر إلى إتخاذ الخطوات اللازمة لتدارك الخطر المحدق بالبلاد والعباد من جراء وجود هذه الكميات الكبيرة من هذه المادة الخطرة، والذي يدرك بحكم خبرته العسكرية حجم الدمار الذي يمكن أن تلحقه بالعاصمة عند إنفجارها؟
وأين مذكرات استدعاء الوزراء السابقين والمسؤولين الآخرين؟
لم تعد المسألة تعني الرئيس حسان دياب شخصياً، بقدر ما أصبحت قضية وطنية بامتياز، تهدد التوازن في المعادلة الداخلية، وتستكمل محاولات الإنقلاب على الطائف، وإضعاف موقع رئاسة الحكومة، وما يُمثل دستورياً في قمة السلطة التنفيذية.
الإنحياز السياسي للبيطار أسقط مصداقية ونزاهة التحقيقات المحلية، وألحق إهانة جديدة بسمعة ومكانة القضاء اللبناني، وأكد أهمية وضرورة المطالبة بتحقيق دولي محايد، يكشف الحقيقة بعيداً عن أي تدخلات سلطوية واستهدافات سياسية.
ألم يحن الوقت للعهد وفريقه أن يدركوا أن رئاسة الحكومة ليست مكسر عصا، وأن التعطيل المتعمد للولادة الحكومية وتفشيل الرؤساء المكلفين هو فشل للعهد الذي وعد اللبنانيين بجهنم.. وأوفى بعهده، وأغرق البلد بتسونامي من الأزمات والإنهيارات التي فاقت أسوأ التوقعات؟!