لم تكن شيرين أبوعاقلة مراسلة ناشطة لقناة الجزيرة منذ إنطلاقتها في مطلع التسعينات، بقدر ما كانت الشاهدة الدائمة على جرائم الإحتلال الإسرائيلي ضد شعب أعزل، سلاحه الأول والأقوى إيمانه بحقه الشرعي، الوطني والتاريخي، في وطن أجداده، وتمسكه بأرضه الطاهرة التي نزلت عليها الرسالات السماوية، وضمت رفات الأنبياء والرسل، وإزدهرت بدعوات السلام والمحبة والتسامح بين بني البشر.
لم تحمل شيرين سلاحاً، ولا أطلقت رصاصة واحدة، ولا هتفت بشعارات الثأر والإنتقام، بل كان حضورها الدائم في صلب قضية وطنها، لا يقل أهمية عن كل وسائل النضال النارية، لأنها كانت تُعرّي ممارسات العدو الإجرامية أمام العالم كله، وتوثّق بالصوت والصورة وقائع الإعتداءات الوحشية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في كفاحه البطولي ضد أعتى ترسانة عسكرية، وصمود المجاهدين الأبطال، شيباً وشباباً، نساءً وأطفالاً، أمام الهجمات الإسرائيلية البربرية على قراهم ومخيماتهم، بل وعلى منازلهم ومساجدهم وكنائسهم، في المحاولات المستمرة لتدمير الروح النضالية المتوقدة والمتوارثة من جيل إلى جيل.
لم تكن شيرين من بنات نكبة ١٩٤٨، ولا من أطفال هزيمة حزيران ١٩٦٧، ولكنها ولدت وترعرعت في كنف المسيرة النضالية الطويلة للشعب الذي يقدم قوافل الشهداء على مذبح تحرير أرضه، من العدو الذي إغتصب الوطن، وصادر الشمس، وحاصر الهواء، ومنع أبسط مقومات الحياة عن شعب مسالم بأكمله.
كانت كلمات شيرين الجريئة أقوى من رصاصات العدو الغادرة، وكانت شجاعتها الدائمة أهم من جبن جنود جيش الإحتلال المدجدجين بأحدث أنواع الأسلحة، والمحصنين خلف آلياتهم المصفحة، والمستقوين دائما بالدعم الغربي، وبالحصانة الأميركية، التي كانت تمنع عنهم أي عقاب على جرائمهم المستمرة ضد النساء والأطفال والمدنيين الأبرياء.
كلمات الإستنكار التي ضجت بها عواصم القرار لم تعد تكفي للتغطية على بشاعة جريمة القاتل، وحمايته من العقاب العادل. الذين يستنكرون ليل نهار ما يجري في أوكرانيا مطالبين أكثر من غيرهم بإحالة الإغتيال المتعمد لشيرين أبوعاقلة إلى المحكمة الدولية لأنها «جريمة حرب» بكل المعايير القانونية، والدولة وحكومة الإحتلال الصهيوني تتحملان مسؤولية جرائم جنودهما المجرمين.
ربما شيرين تسأل من عليائها: أين العرب من العنجهية العدوانية الاسرائيلية ..، سؤال قد يكون لا جواب له في هذا الزمن الرديء!