بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 تشرين الثاني 2022 08:02ص رواية فؤاد بطرس عن القضاء في الثلاثينات!

حجم الخط
مقارنة بسيطة بين واقع الأمس ومآسي اليوم، تكشف مستوى التحسس بالمسؤولية الوطنية والإجتماعية الغائبة كلياً عند رجال أخر الزمان.
يروي وزير الخارجية الراحل فؤاد بطرس أن والده كان يملك مصرفاً في مطلع عهد الإنتداب الفرنسي، «بنك داغر وبطرس»، أحد المصارف القليلة في ذلك الزمن، وكانت أحواله ميسورة، ويُصنف من الأغنياء، لأن أعمال البنك كانت رابحة حتى إندلاع الأزمة الإقتصادية العالمية عام ١٩٢٩، وإنعكاساتها السلبية على القطاع المصرفي في لبنان، ومن ضمنها مصرف والده الذي أصيب بنكسة مالية في مطلع الثلاثينات، أدت إلى توقفه عن العمل نهائياً مع مصرفين آخرين، أحدهما «مصرف كرياكوس وزهير».
يصف بطرس تفاصيل تلك المرحلة في حياته:
كان لهذا الحدث وقعٌ كبيرٌ في حياتي، لأنه بدّلها تبديلاً جذرياً، جعل ذلك المراهق إبن العائلة الميسورة رجلاً لم يبلغ الخمسة عشر عاماً، تُلقى على كتفيه أعباء عائلة مؤلفة من أب مريض ووالدة وجدّة وشقيقة مازالت على مقاعد الدراسة. إنهار كل شيء مع ذلك المصرفي الذي تحول بين ليلة وضحاها من رجل ميسور إلى عجوز مصاب بمشاكل صحية في القلب، لم يقوَ على العمل أكثر من سنتين بعد إفلاس مصرفه.
ويتابع فؤاد بطرس، وهنا بيت القصيد:
كانت كل أموال أبي مستثمرة في المصرف المفلس. وكان القانون يسمح بتخصيص مبلغ شهري للمفلس، في حال تثبتت المحكمة من أنه لم يسىء التصرف، ولا يملك مدخولاً آخر، وأن أمواله كلها مستثمرة في الشركة المفلسة. فكان أن خصصت لنا المحكمة تعويضاً شهرياً. لم يكن كبيراً، لكنه كان أكثر من ضروري حتى نستطيع أن نلبي حاجاتنا الأساسية….الخ!
هذه الحادثة حصلت في الثلاثينات من القرن الماضي، وفي عهد الإنتداب الفرنسي، وكان القضاء على مستوى من الاستقلالية والعدالة، أين نحن منها اليوم، في زمن السطو على الودائع، وإمتناع القضاة عن القيام بواجباتهم منذ أشهر، وعدم الإهتمام السياسي والقضائي بتأمين رمق العيش لأصحاب الحقوق في أموالهم وجنى عمرهم!

د. فاديا كيروز