بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 كانون الثاني 2021 07:46ص شمعة البطريرك في الظلام الدامس!

حجم الخط
المراقب لحركة البطريرك مار بشارة الراعي، يلاحظ بسهولة أن سيد بكركي يتخذ من المواقف والمبادرات الوطنية، ما يجعله يلتحق بأسلافه الوطنيين الكبار، وكان آخرهم بطريرك الوطنية والسيادة الراحل مار نصرالله بطرس صفير.

دور بكركي التاريخي يتجاوز حدود الكنيسة المارونية، دينياً واجتماعياً ورعوياً، إلى آفاق وطنية واسعة، بدءاً من المساعي التي بذلها البطريرك الحويك لإقامة دولة لبنان الكبير بحدوده الحالية قبل مئة عام، مروراً بمواقف البطريرك المعوشي في أواخر الخمسينيات، إلى البطريرك خريش ومحاولاته المضنية في محاربة الطائفية، ونبذ العنف في المجتمع المسيحي.

كانت مواقف بكركي الوطنية، في معظم الأحيان، متميزة عن مواقف السلطات الرسمية، لا سيما رئاسة الجمهورية بالذات، عند حصول أي شطط في السلطة، أو أي انحراف عن المسار الوطني أو الدستوري. ولكن بكركي بقيت دائماً حريصة على حفظ مقام الرئاسة وهيبته، خاصة عندما تشتد الضغوط على الرئيس للاستقالة، حيث تكون بكركي في طليعة المدافعين عن «كرامة المقام»، بل يكون البطريرك صاحب الفيتو الحصري في هذا الموضوع، ومعارضة البطريرك صفير لاستقالة العماد اميل لحود أوقفت الحصار الذي كانت قوى ١٤ آذار تنوي فرضه على قصر بعبدا للضغط على الرئيس ودفعه لمغادرة مقر الرئاسة.

طرح البطريرك الراعي لقضية الحياد، وإبعاد لبنان عن الصراعات الإقليمية والدولية، استقطب اهتماماً ديبلوماسياً عالمياً، وحظي بدعم وتأييد الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، على اختلاف طوائفهم، ومن مختلف مناطقهم، الذين زحف الكثير منهم إلى مقر البطريركية المارونية الصيفي في الديمان، للوقوف إلى جانب البطريرك في موقفه الجريء والحكيم.

 وفي خضم الأزمة الحكومية المستعصية، وفي ذروة الصراع الدائر على المحاصصة بين الأطراف السياسية، جاءت مبادرات البطريرك الراعي ومساعيه المستمرة، ولقاءاته مع الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، لتحقيق اختراق ما في حائط الأزمة، بعد انقطاع التواصل بين قصر بعبدا وبيت الوسط.

وفيما هيمن الجمود على الوضع السياسي، واستفحلت سلسلة الانهيارات في البلد، بادر البطريرك إلى مطالبة الرئيسين بالتخلي عن حساباتهما الفئوية، وتجاوز مصالحهما الشخصية، والعمل معاً على إنجاز الحكومة الجديدة، واضعاً الصرح البطريركي بتصرف لقاء الطرفين، إذا تعذر اللقاء في بعبدا!

في زمن عجز وفشل كل الأحزاب السياسية، ورغم هذا الانقطاع والتباعد الحواري بين أهل السلطة، تبقى مبادرة البطريرك الراعي الشمعة الوحيدة في هذا الظلام الدامس! فهل مَن يستدرك ويتجاوب قبل فوات الأوان؟