المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد كان من صنف القادة الذين يطبعون عهودهم بأسمائهم وإنجازاتهم، لأن شخصياتهم القوية وصلابة مواقفهم تتغلب على التحديات التي تواجههم، ويتجاوزون الصعوبات التي تعترضهم.
كان شجاعاً في الجهر بكلمة الحق، ولكن دون مغالاة ولا شطط، وجريئاً في توجيه كلمة النقد، حتى لأخلص الأصدقاء والحلفاء، بهدف تصحيح المسار وعدم الاستمرار في تراكم الأخطاء، وبقي مرجع الاعتدال والحوار في أحلك الأيام سواداً وأشدها انقساماً.
في ذروة الضياع والتشرذم، إبان الحرب البغيضة، أطلق لقاء «التجمع الإسلامي» ليجمع قادة سياسيين وفعاليات لطالما فرقت بينهم المنافسات والخلافات السياسية والشخصية، وحرص أن تكون اجتماعات هذا اللقاء وبياناته الأسبوعية تُعبر عن مواقف الطائفة الإسلامية، لأنه كان يضم شخصيات من مختلف المذاهب الإسلامية: السنية والشيعية والدرزية.
كان مفتي «الوحدة الإسلامية»، لأنه كان يسعى بإصرار للتعاون مع رئيس المجلس الشيعي الأعلى الإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين، على تطويق الحساسيات المذهبية، والعمل على وأد الفتنة في المهد وقبل أن تشتعل نيرانها في الشارع. وكان ثمة حرص من هذين المرجعين الكبيرين أن تتم الاحتفالات في المناسبات الإسلامية في بهو دار الفتوى، وبحضور جمهور عريض من أبناء المذهبين، تأكيداً على وحدة الموقف الإسلامي.
كما كان يُعتبر مفتي «الوحدة الوطنية» لأنه كان يحرص على مخاطبة مواطنيه المسيحيين بلغة وطنية جامعة، بعيداً عن التعصب والحقد والكراهية التي كانت تنفخ فيها أعمال الميليشيات، وتصب زيت التفرقة على نار الانقسام بين أبناء الوطن الواحد. وكان العديد من الإجتماعات التي تضم رجال دين مسلمين ومسيحيين يُعقد في دار الفتوى، برعايته وتلبية لدعوته.
كان «مفتي العروبة» بامتياز، لأنه كان يعتبر العروبة هي الدائرة التي تضم كل العرب على اختلاف معتقداتهم الدينية والثقافية، وهي الحل الأمثل لكل المشاكل التي يُحاول الغرب ومعه الدولة العبرية زرعها بين مكونات الشعوب العربية. وكانت علاقاته مع القيادات العربية موضع فخر واعتزاز الطرفين، نظراً للمكانة العلمية التي كان يحتلها في المؤسسات والمجامع العربية والاسلامية، وكان في طليعة المؤسسين للعديد منها، فضلاً عن دوره الوطني الكبير في الداخل اللبناني.
نحن الذين عايشنا التجربة الفذة لهذا القائد الديني والوطني الكبير ما زلنا نؤمن أن المفتي الشيخ حسن خالد هو صاحب «العصر الذهبي» لدار الفتوى منذ بداية الستينيات من القرن الماضي.