بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 أيار 2020 08:22ص صفحة بيروتية من التاريخ الجميل؟

حجم الخط
العلاقة بين أبناء بيروت من أهل السنَّة والأرثوذكس تتميّز بخصوصية عائلية وتاريخية، سبقت حذوها قيام دولة لبنان الكبير قبل مائة عام.

التواصل المتين والمستمر منذ عقود من الزمن، تجاوز الحواجز الطائفية، وأزال الفروقات الاجتماعية، ونشأت حياة مشتركة بين العائلات، تكرست عبر الاختلاط اليومي في الأحياء الراقية في رأس بيروت والأشرفية، وفي النشاط التجاري في أسواق العاصمة، التي احتلت مكانة مرموقة بين العواصم المزدهرة على شواطئ البحر المتوسط.

وعائلة سرسق التي سكنت في إحدى تلال الأشرفية في مطلع القرن التاسع عشر، وأصبح اسم المنطقة، «حي السراسقة» تعتبر من عائلات بيروت السبع، ونسجت علاقات وثيقة مع العائلات المسلمة في العاصمة، والسلطنة العثمانية في اسطنبول، وواكبت كل مراحل الانتداب الفرنسي حتى ولادة دولة الاستقلال.

ووصلت «وحدة الحال» بين عائلتي سرسق وسلام، إلى حدّ تعيين أبو علي سلام وصياً على أولاد عميد العائلة السرسقية بعد وفاته.

وعندما توافق زعماء بيروت السنَّة على الحد من صلاحيات رئيس بلدية بيروت، حتى لا يزاحمهم عبر الخدمات، على مواقعهم قرروا إسناد منصب المحافظ إلى شخصية ارثوذكسية.

ويروي المطران الياس عودة أنه إثر تعيينه مطراناً لبيروت بلغه أن الرئيس صائب سلام «آخذ على خاطره» من هذه الخطوة، فكان أن ذهب المطران الشاب إلى دارة المصيطبة للوقوف على سبب «زعل صائب بك»، فكان جواب الزعيم البيروتي الراحل: «ما عندنا شيء على شخصك الكريم، ولكن نحن لم نُستشر في أمر تعيينك، كما كانت تجري العادة في مثل هذه المناسبات، لأننا نعتبر مطران الأرثوذكس هو مطران بيروت، والمطرانية هي مرجعية وطنية لكل أبناء بيروت».

هذا التاريخ الجميل، العابق بالأريحية الوطنية، والمجسّد لوحدة العلاقات الوطيدة بين جناحي العاصمة، لا يجوز تشويهه، بسبب تباين طارئ، أو خلاف عابر على تعيين منصب محافظ، من المفترض ان يُشكّل مع رئيس البلدية ثنائياً متكاملاً ومنسجماً لخدمة سيّدة العواصم، وأهلها، على اختلاف انتماءاتهم الطائفية والمناطقية.

لعن الله هذا الزمن الرديء الذي أطاح بأبسط مقومات العيش الواحد بين أبناء وطن، ابتلاه الله بطبقة سياسية تمادت في فسادها، واللهث وراء مصالحها على أنقاض وحدة الشعب، وعلى حساب استقرار وازدهار العاصمة المظلومة بيروت!