ما كاد اللبنانيون يستبشرون خيراً بتقدم الملف الحكومي على مسار الإنفراج، وإقتراب موعد الولادة الحكومية في الإسبوعين القادمين، حتى إنبرت على الساحة أزمة إقفال المصارف العشوائية، وتمديدها من قبل جمعية المصارف حتى الإثنين المقبل، مع إحتمال الإستمرار في الإقفال دون سقف محدد، بحجة إنتظار التدابير الأمنية الرسمية لحماية فروع المصارف وموظفيها.
وكأن قدر لبنان واللبنانيين أن يبقوا في دوامة الضياع والإنهيارات، بعيداً عن أي معالجات جدّية للوصول إلى دروب الإنقاذ، وتجنب حصول الإرتطام الكبير الذي أصبحنا قاب قوس أو قوسين منه، دون أن تظهر من جانب السلطة أية إشارة لتنفيذ الخطوات الإصلاحية المطلوبة.
لقد أعلن وفد صندوق النقد الدولي صراحة بعد اللقاءات مع كبار المسؤولين أن الحكومة ومجلس النواب تأخرا في إقرار القوانين الإصلاحية التي حددها الصندوق كشروط ضرورية، ولا تساهل في تنفيذها، للحصول على البرنامج المالي اللازم لمساعدة لبنان على الخروج من أزماته المالية الراهنة.
كان من المفترض، حسب الإتفاق المبدئي المعقود مع الصندوق، أن يكون الجانب اللبناني قد أقر القوانين المطروحة في فترة أقصاها شهر أيلول الحالي، ليصار إلى التوقيع على الإتفاق النهائي مطلع تشرين الأول المقبل.
لكن وكالعادة، وضع أهل الحكم شروط الصندوق الدولي وراء ظهورهم، وتفرغوا للتراشق بالخلافات والإتهامات، وتقاذف المسؤوليات بالتقصير وعدم الإنتاجية، وإطلاق شعارات من نوع «ما خلونا نشتغل»، والتهرّب من مواجهة الأمر الواقع، فيما أوضاع البلد إلى مزيد من التدهور والإنحدار.
إن إقفال المصارف عشية إستحقاق رواتب مئات الألوف من الموظفين في القطاعين العام والخاص، سيشكل ضربة جديدة للثقة بالقطاع المصرفي، وبقدرة جمعية المصارف على القيام بدور إيجابي، بعيداً عن دائرة الفعل وردة الفعل، للتوصل إلى صيغة مقبولة للعلاقة بين المصرف والمودع.
ولا يخفى أن إستمرار المصارف في إغلاق أبوابها يعيد إلى الذاكرة عملية الإقفال الصادمة لمصارف في الأسبوعين اللذين أعقبا إندلاع حركة ١٧ تشرين ٢٠١٩، والتي كانت بمثابة البداية للإنهيار المالي، فاقمه بسرعة صاروخية، تمنع حكومة دياب على تسديد استحقاق اليوروبوند بقيمة مليار ومائتي مليون دولار، في وقت كان إحتياطي البنك المركزي يُناهز ٣٣ مليار دولار في شباط ٢٠٢٠، والذي هُدر معظمه على دعم السلع الغذائية والمحروقات التي تم تهريب الجزء الأكبر منها إلى الخارج.
فهل المطلوب تفكيك العلاقة كلياً بين المصارف والمودعين، وتحميل الجزء الأكبر من الخسائر لأصحاب الودائع الغلابى؟