لا بدّ من الاعتراف بأن البلد عاد أسيراً، مرّة أخرى، للعبة التعطيل، والضياع في زواريب العناد السياسي، وممارسات عضّ الأصابع، ورهان كل طرف على أن يقول خصمه «آخ» قبله!
استمرار تعطيل جلسات مجلس الوزراء بسبب الخلاف على إحالة حادثة قبرشمون إلى المجلس العدلي، هو لغم يشبه إلى حدّ كبير لغم «شهود الزور» الذي نسف حكومة سعد الحريري الأولى، ودفع بوزراء «8 آذار» و«التيار العوني» للاستقالة، بينما كان رئيس الحكومة يهمّ بدخول البيت الأبيض للقاء الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
لا نُغالي إذا قلنا إن الإصرار على تعطيل جلسات مجلس الوزراء، سيعرّض التركيبة الحكومية الراهنة لخطر التفكك، وفي حال فرطت الحكومة الحالية، يكون البلد قد دخل في نفق جديد من الصراعات المدمرة، حيث تسقط كل محاولات إنقاذ مليارات مؤتمر سيدر، وتذهب جهود تخفيض العجز في الموازنة العتيدة أدراج الرياح، ويتفاقم تدهور الوضع الاقتصادي وتداعياته المالية على الليرة، وتبقى السفينة تلاطم أمواج الأزمة العالية، من دون وجود ربّان يقودها في هذه المرحلة الصعبة، في حال وصلت الحكومة إلى شفير الاستقالة أو ما يشابهها في مسار التعطيل المتعمّد!
المفارقة أن الأزمة السياسية، ومضاعفاتها الأمنية والاقتصادية، تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، في ظل غياب شبه كامل لمساعي تقريب وجهات النظر بين الأطراف الحزبية المتصارعة، ومن دون بذل أي جهد من أي مرجع رسمي للملمة جراح البيت الدرزي، وترتيب عقد لقاء بين طرفيه الأساسيين: وليد جنبلاط وطلال أرسلان.
اللبنانيون يعوّلون على رئيس الجمهورية «بيّ الكل» أن يطرح مبادرة وطنية لإنقاذ الوطن من مأساة التعطيل وشرورها الحارقة، سواء عبر دعوة الزعيمين الدرزيين للقاء برعايته في بعبدا، يتم الإعداد له جيداً، أم من خلال الدعوة إلى طاولة الحوار الوطني على نحو ما كان يحصل في عهد الرئيس ميشال سليمان، لجمع كل الأطراف في جلسة واحدة يتم خلالها تحميلهم المسؤولية الوطنية والتاريخية، لما ستؤول إليه أوضاع الدولة والوطن، في حال استمرار الانقسامات الراهنة، وما ينتج عنها من كوارث نتيجة تعطيل مؤسسات الدولة الدستورية.
فخامة الرئيس، الإنقاذ بين يديك... ويحتاج إلى مبادرة وطنية قبل فوات الأوان!